[المائدة: ٦٦] . وهذا قول أبين لأن استعارة الاستقامة للكفر قلقة. وقرأ الأعمش وابن وثاب «وأن لو» بضم الواو. وقال أبو الفتح هذا تشبيه بواو الجماعة اشتروا الضلالة، والماء الغدق: هو الماء الكثير. وقرأ جمهور الناس «غدقا» بفتح الدال، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عنه بكسرها. وقوله تعالى: لِنَفْتِنَهُمْ إن كان المسلمون فمعناه لنختبرهم، وإن كان القاسطون فمعناه لنمتحنهم ونستدرجهم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حيث يكون الماء فثم المال، وحيث يكون المال فثم الفتنة، ونزع بهذه الآية، وقال الحسن وابن المسيب وجماعة من التابعين: كانت الصحابة سامعين مطيعين، فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر وثب بعثمان فقتل وثارت الفتن. ويَسْلُكْهُ معناه يدخله، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء أي «يسلكه» الله، وقرأ بعض التابعين «يسلكه» بضم الياء من أسلك وهما بمعنى، وقرأ باقي السبعة «نسلكه» بنون العظمة، وقرأ ابن جبير «نسلكه» بنون مضمومة ولام مكسورة. وصَعَداً معناه شاقا، تقول فلان في صعد من أمره أي في مشقة، وهذا أمر يتصعدني، وقال عمر: ما تصعدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح، وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس: صعد جبل في النار، وقرأ قوم «صعودا» بضم الصاد والعين، وقرأ الجمهور بفتح الصاد والعين، وقرأ ابن عباس والحسن بضم الصاد وفتح العين، وقال الحسن: معناه لا راحة فيه، ومن فتح الألف من أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ جعلها عطفا على قوله قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ [الجن: ١] ، ذكره سيبويه، والْمَساجِدَ قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة.
وقال الحسن: أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصا لذلك أو لم يكن، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة. وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: المواضع كلها لله فاعبده حيث كان وقال ابن عطاء: «المساجد» : الآراب التي يسجد عليها، واحدها مسجد بفتح الجيم، وقال سعيد بن جبير: نزلت الآية لأن الجن قالت يا رسول الله: كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك: فنزلت الآية يخاطبهم بها على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة. وقال الخليل بن أحمد: معنى الآية، ولأن الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا أي لهذا السبب، وكذلك عنده لِإِيلافِ قُرَيْشٍ [قريش: ١] لْيَعْبُدُوا
[قريش: ٣] وكذلك عنده وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً [الأنبياء: ٩٢، المؤمنون: ٥٢] . و «المساجد» المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم، وكل ما هو خالص لله تعالى، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا. ولا يتخذ طريقا، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وعائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه. وقوله عز وجل: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يحتمل أن يكون خطابا من الله تعالى، ويحتمل أن يكون إخبارا عن الجن، وقرأ بعض القراء على ما تقدم «وأنه» بفتح الألف، وهذا عطف على قوله أَنَّهُ اسْتَمَعَ [الجن: ١] ، والعبد على هذه القراءة قال قوم: هو نوح، والضمير في كادُوا لكفار قومه، وقال آخرون، هو محمد، والضمير في كادُوا للجن. المعنى أنهم كادُوا يتقصفون عليه لاستماع القرآن، وقرأ آخرون منهم «وإنه لما قام» بكسر الألف، والعبد محمد عليه السلام، والضمير في كادُوا يحتمل أن يكون للجن على المعنى الذي ذكرناه، ويحتمل أن يكون لكفار قومه