للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق العمرة أن تقصد بسفرة وحق الحج كذلك، فلما تمتع بإسقاط أحدهما ألزمه الله هديا كالقارن الذي يجمع الحج والعمرة في سفر واحد.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: هذه شدة على القادم مكة من سائر الأقطار لما أسقط سفرا، والمكي لا يقتضي حاله سفرا في عمرة ولا حج لأنه في بقعة الحج فلم يلزم شيئا لأنه لم يسقط شيئا، ومن قال إن اسم التمتع وحكمه إنما هو من جهة التمتع بالنساء والطيب وغير ذلك فيرد عليه أنه يستغرق قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ المكي وغيره على السواء في القياس، فكيف يشتد مع ذلك على الغريب الذي هو أعذر ويلزم هديا، ولا يفعل ذلك بالمكي، فيترجح بهذا النظر أن التمتع إنما هو من أجل إسقاط أحد السفرين، إلا أن أبا عبيد قال في كتاب الناسخ والمنسوخ له: إن العمرة في أشهر الحج ممنوعة للمكي لا تجوز له، ورخص الله تعالى للقادم لطول بقائه محرما وقرن الرخصة بالهدي.

قال القاضي أبو محمد: فهذه شدة على أهل مكة، وبهذا النظر يحسن أن يكون التمتع من جهة استباحة ما لا يجوز للمحرم، لكنه قول شاذ لا يعول عليه، وجل الأمة على جواز العمرة في أشهر الحج للمكي ولا دم عليه، وذكر أبو عبيد القولين عن ابن عمر واستند إليه في الذي وافقه، وقد حكاه الطبري عن ابن عباس وقال: إنه قال يا أهل مكة لا متعة لكم، إن الله قد أحلها لأهل الآفاق وحرمها عليكم، إنما يقطع أحدكم واديا ثم يحرم بعمرة.

قال القاضي أبو محمد: فمعنى هذا أنهم متى أحرموا داموا إلى الحج، وقال السدي: المتمتع هو الذي يفسخ الحج في العمرة، وذلك لا يجوز عند مالك، وفي صحيح مسلم حديث سراقة بن مالك قال:

قلت يا رسول الله: فسخ الحج في العمرة ألنا خاصة أم للأبد؟ فقال: «بل لأبد أبد، بل لأبد أبد» .

قال القاضي أبو محمد: وإنما شرط في التمتع أن يحل في أشهر الحج لأنها مدة يملكها الحج فمن كان فيها محرما فحقه أن يصل الإحرام إلى الحج، وفي كتاب مسلم إيعاب الأحاديث في هذا المعنى، ومذهب عمر وقول أبي ذر إن متعة النساء ومتعة الحج خاصتان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال طاوس: «من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى حج من عامه فهو متمتع» .

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري «من اعتمر بعد يوم النحر في بقية العام فهو متمتع» ، وهذان قولان شاذان لم يوافقهما أحد من العلماء، وتقدم القول فيما استيسر من الهدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>