المعنى يركب رأسه في طلب الدنيا دائما، وقوله تعالى: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ تقديره لكن يفجر، وقال ابن عباس ما يقتضي أن الضمير في أَمامَهُ عائد على يوم الْقِيامَةِ، والمعنى أن الإنسان هو في زمن وجوده أمام يوم القيامة وبين يديه، ويوم القيامة خلفه فهو يريد شهواته ليفجر في تكذيبه بالبعث وغير ذلك بين يدي يوم القيامة، وهو لا يعرف قدر الضرر الذي هو فيه، ونظيره قوله تعالى: لِيَفْجُرَ قول قيس بن سعد (أردت لكيما يعرف الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود) .
وبَلْ في أول الآية هي إضراب على معنى الترك لا على معنى إبطال الكلام الأول، وقد تجيء بل لإبطال القول الذي قبلها، وسؤال الكافر أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ هو على معنى التكذيب والهزء كما تقول لمحدث بأمر تكذبه متى يكون هذا؟ وأَيَّانَ لفظة بمعنى متى، وهي مبينة لتضمنها معنى الاستفهام فأشبهت الحروف المتضمنة للمعاني. وكان حقها أن تبنى على السكون، لكن فتحت النون لالتقاء الساكنين الألف وهي وقرأ أبو عمرو والحسن ومجاهد وقتادة والجحدري وعاصم والأعمش وأبو جعفر وشيبة «برق البصر» بكسر الراء بمعنى شخص وشق وحار. وقرأ نافع وعاصم بخلاف، وعبد الله بن أبي إسحاق وزيد بن ثابت ونصر بن عاصم «برق» بفتح الراء، بمعنى لمع وصار له بريق وحار عند الموت، والمعنى متقارب في القراءتين، وقال أبو عبيدة «برق» بالفتح شق، وقال مجاهد هذا عند الموت، وقال الحسن هذا في يوم القيامة، وقرأ جمهور الناس:«وخسف القمر» على أنه فاعل، وقرأ أبو حيوة:«خسف» بضم الخاء وكسر السين و «القمر» مفعول لما يسم فاعله. يقال خسف القمر وخسفه الله، وكذلك الشمس، وقال أبو عبيدة وجماعة من اللغويين الخسوف والكسوف بمعنى واحد، قال ابن أبي أويس: الكسوف ذهاب بعض الضوء والخسوف ذهاب جميعه، وروي عن عروة وسفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت» . وقوله تعالى: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ غلب عليه التذكير على التأنيث، وقيل ذلك لأن تأنيث الشمس غير حقيقي، وقيل المراد بين الشمس والقمر، وكذلك قرأ ابن أبي عبلة. واختلف المتأولون في معنى الجمع بينهما فقال عطاء بن يسار: يجمعان فيقذفان في النار، وقيل في البحر، فتصير نار الله العظمى، وقيل يجمع الضوءان فيذهب بهما، وقرأ جمهور الناس «أين المفر» بفتح الميم والفاء على المصدر أي أين الفرار، وقرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وأيوب السختياني وكلثوم بن عياض ومجاهد ويحيى بن يعمر وحماد بن سلمة وأبو رجاء وعيسى وابن أبي إسحاق:«أين المفر» بفتح الميم وكسر الفاء على معنى أين موضع الفرار، وقرأ الزهري:«أين المفر» بكسر الميم وفتح الفاء بمعنى أين الجيد الفرار، وكَلَّا زجر يقال للإنسان يومئذ ثم يعلن أنه لا وَزَرَ له أي ملجأ، وعبر المفسرون عن الوزر بالحبل، قال مطرف بن الشخير وغيره، وهو كان وزر فرار العرب في بلادهم، فلذلك استعمل، والحقيقة أنه الملجأ كان جبلا أو حصنا أو سلاحا أو رجلا أو غيره. وقوله تعالى: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
معناه إلى حكم ربك أو نحوه من التقدير والْمُسْتَقَرُّ
رفع بالابتداء وخبره في المقدر الذي يتعلق به المجرور المتقدم. تقدير الكلام المستقر ثابت أو كائن إلى ربك يومئذ، والْمُسْتَقَرُّ