للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يريد بذهنك وفكرك، أي فاستمع قراءته وقاله ابن عباس، ويحتمل أن يريد فَاتَّبِعْ

في الأوامر والنواهي، قاله ابن عباس أيضا وقتادة والضحاك. وقرأ أبو العالية: «قرته» ، «فإذا قرته فاتبع قرته» بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثالثة، وقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ، قال قتادة وجماعة معه: معناه أن نبينه لك ونحفظكه، وقال كثير من المتأولين معناه أن تبينه أنت، وقال قتادة أيضا وغيره معناه أن نبين حلاله وحرامه ومجمله ومفسره، وقوله تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ رجوع إلى مخاطبة قريش، فرد عليهم وعلى أقوالهم في رد الشريعة بقوله: كَلَّا ليس ذلك كما تقولون. وإنما أنتم قوم قد غلبتكم الدنيا بشهواتها، فأنتم تحبونها حبا تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها. وقرأ الجمهور «تحبون» بالتاء على المخاطبة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن ومجاهد والجحدري وقتادة «يحبون» بالياء على ذكر الغائب وكذلك «يذرون» . ولما ذكر الآخرة أخبر بشيء من حال أهلها بقوله: وُجُوهٌ رفع بالابتداء وابتداء بالنكرة لأنها تخصصت بقوله يَوْمَئِذٍ وناضِرَةٌ خبر وُجُوهٌ. وقوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ جملة هي في موضع خبر بعد خبر، وقال بعض النحويين: ناضِرَةٌ نعت ل وُجُوهٌ، وإِلى رَبِّها ناظِرَةٌ خبر عن وُجُوهٌ، فعلى هذا كثر تخصص الوجوه فحسن الابتداء بها. وناضِرَةٌ معناه ناعمة، والنضرة النعمة وجمال البشرة، قال الحسن: وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق، وقوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ حمل هذه الآية أهل السنة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله تعالى، وهي رؤية دون محاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم، موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء، فإنه ليس كمثله شيء لا إله إلا هو، وروى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حدثتكم عن الدجال أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» ، وقال الحسن: تنظرون إلى الله تعالى بلا إحاطة، وأما المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالى، فذهبوا في هذه الآية إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة أو إلى ثوابه أو ملكه، فقدروا مضافا محذوفا، وهذا وجه سائغ في العربية كما تقول، فلان ناظر إليك في كذا، أي إلى صنعك في كذا. والرواية إنما تثبتها بأدلة قاطعة غير هذه الآية، فإذا

ثبتت حسن تأويل أهل السنة في هذه الآية وقوي، وذهب بعض المعتزلة في هذه الآية إلى أن قوله إِلى ليست بحرف الجر وإنما هي إلى واحد الآلاء فكأنه قال نعمة ربها منتظرة، أو ناظِرَةٌ من النظر بالعين، ويقال نظرتك بمعنى انتظرتك، ومنه قول الحطيئة: [البسيط]

وقد نظرتكم أبناء عائشة ... للخمس طال بها حبسي وتبساسي

والتبساس أن يقال للناقة بس بس لتدر على الحالب، وفسر أبو عبيدة في غريبه هذا البيت على رواية أخرى وهي: طال بها حوزي وتنساسي بالنون وهو السير الشديد فتأمله، و «الباسرة» العابسة المغمومة النفوس. والبسور أشد العبوس، وإنما ذكر تعالى الوجوه لأنه فيها يظهر ما في النفس من سرور أو غم، والمراد أصحاب الوجوه، وقوله تعالى: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ إن جعلناه بمعنى توقن فهو لم يقع بعد على ما بيناه وإن جعلنا الظن هنا على غلبته، فذلك محتمل، و «الفاقرة» : المصيبة التي تكسر فقار الإنسان، قال ابن المسيب: هي قاصمة الظهر، وقال أبو عبيدة: هي من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار، وقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>