تسمه بذلك لأنه يبرد سؤر العطش، ومن كلامهم منع البرد البرد، وقال جمهور الناس:«البرد» في الآية:
مسر الهواء البارد وهو القر، أي لا يمسهم منه ما يستلذ ويكسر غرب الحر، فالذوق على هذين القولين مستعار، وقال ابن عباس:«البرد» : الشراب المستلذ، ومنه قول حسان بن ثابت:[الكامل]
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
ومنه قول الآخر:[الطويل]
أماني من سعدى حسان كأنما ... سقتني بها سعدى على ظمأ بردا
ثم قال تعالى: وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً فالاستثناء متصل و «الحميم» : الحار الذائب وأكثر استعماله في الماء السخن والعرق ومنه الحمام، وقال ابن زيد:«الحميم» : دموع أعينهم، وقال النقاش: ويقال «الحميم» : الصفر المذاب المتناهي الحر، واختلف الناس في «الغساق» ، فقال قتادة والنخعي وجماعة:
هو ما يسيل من أجسام أهل النار من صديد ونحوه، يقال: غسق الجرح: إذا سال منه قيح ودم، وغسقت العين: إذا دمعت وإذا خرج قذاها، وقال ابن عباس ومجاهد:«الغساق» : مشروب لهم مفرط الزمهرير، كأنه في الطرف الثاني من الحميم يشوي الوجوه ببرده. وقال عبد الله بن بريدة:«الغساق» : المنتن، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم وجماعة من الجمهور:«غساقا» ، بتخفيف السين وهو اسم على ما قدمناه، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن أبي إسحاق السبيعي والحكم بن عتبة وقتادة وابن وثاب:«غسّاقا» مشددة السين وهي صفة أقيمت مقام الموصوف، كأنه قال ومشروب غساق أي سائل من أبدانهم، وقوله تعالى: وِفاقاً معناه لأعمالهم وكفرهم أي هو جزاؤهم الجدير بهم الموافق مع التحذير لأعمالهم فهي كفر، و «الجزاء» : نار، ويَرْجُونَ قال أبو عبيدة وغيره: معناه: يخافون، وقال غيره: الرجاء هنا على بابه، ولا رجاء إلا وهو مقترن بخوف ولا خوف إلا وهو مقترن برجاء، فذكر أحد القسمين لأن المقصد العبارة عن تكذيبهم كأنه قال: إنهم كانوا لا يصدقون بالحساب، فلذلك لا يرجونه ولا يخافونه، وقرأ جمهور الناس:«كذابا» بشد الذال وكسر الكاف وهو مصدر بلغة بعض العرب، وهي يمانية ومنه قول أحدهم وهو يستفتي:
ألحلق أحب إليك أم القصار؟
ومنه قول الشاعر:[الطويل]
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي ... وعن حاجة قضاؤها من شفائيا
وهذا عندهم مصدر من فعّل، وقال الطبري: لم يختلف القراء في هذا الموضع في كِذَّاباً.
قال القاضي أبو محمد: وأراه أراد السبعة، وأما في الشاذ، فقرأ علي بن أبي طالب وعوف الأعرابي وعيسى والأعمش وأبو رجاء:«كذابا» بكسر الكاف وبتخفيف الذال، وقرأ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز:
«كذّابا» بضم الكاف وشد الذال على أنه جمع كاذب ونصبه على الحال قاله أبو حاتم. وقوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ، يريد كل شيء شأنه أن يحضر في هذا الخبر وربط لآخر القصة بأولها أي هم مكذبون