«وعسعس الليل» في اللغة: إذا كان غير مستحكم الإظلام، وقال الحسن بن أبي الحسن: ذلك في وقت إقباله وبه وقع القسم، وقال زيد بن أسلم وابن عباس ومجاهد وقتادة: ذلك عند إدباره وبه وقع القسم، ويرجح هذا قوله بعد: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ، فكأنهما حالان متصلتان ويشهد له قول علقمة بن قرط:
[الرجز]
حتى إذا الصبح لها تنفّسا ... وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وقال المبرد أبو العباس: أقسم بإقباله وإدباره، قال الخليل: يقال عسعس الليل وسعسع إذا أقبل وأدبر، و «تنفس الصبح» : استطار واتسع ضوؤه، وقال علوان بن قس:[الطويل]
وليل دجوجي تنفس فجره ... لهم بعد أن خالوه لن يتنفسا
والضمير في إِنَّهُ للقرآن، و «الرسول الكريم» في قول جمهور المتأولين: جبريل عليه السلام، وقال آخرون: هو محمد عليه السلام في الآية، والقول الأول أصح، وكَرِيمٍ في هذه الآية يقتضي رفع المذام، ثم وصفه بقوة منحه الله إياها، واختلف الناس في تعليق: عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ، فذهب بعض المتأولين إلى تعلقه بقوله: ذِي قُوَّةٍ، وذهب آخرون إلى أن الكلام تم في قوله: ذِي قُوَّةٍ وتعلق الظرف: ب مَكِينٍ، ومَكِينٍ معناه: له مكانة ورفعة، وقوله تعالى: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ أي مقبول القول مصدق بقوله مؤتمن على ما يرسل به، ويؤدي من وحي وامتثال أمر، وقرأ أبو جعفر:«ثم أمين» بضم الثاء، وذكر الله تعالى نفسه بالإضافة إلى عرشه تنبيها على عظم ملكوته، وأجمع المفسرون على أن قوله: وَما صاحِبُكُمْ يراد به محمد صلى الله عليه وسلم، والضمير في رَآهُ: جبريل عليه السلام، وهذه الرؤية التي كانت بعد أمر غار حراء حين رآه على كرسي بين السماء والأرض. وقيل هذه الرؤيا التي رآه عند سدرة المنتهى في الإسراء، وسمى ذلك الموضع أفقا مجازا، وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية ثانية بالمدينة، وليست هذه، ووصف الأفق ب الْمُبِينِ، لأنه كان بالشرق من حيث تطلع الشمس، قاله قتادة، وأيضا فكل أفق فهو في غاية البيان، وقوله تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ بالضاد بمعنى: بخيل أي يشح به، ولا يبلغ ما قيل له، ويبخل كما يفعل الكاهن حتى يعطى حلوانه، وبالضاد هي خطوط المصاحف كلها، فيما قاله الطبري وهي قراءة نافع وعاصم وابن عامر وحمزة وعثمان بن عفان وابن عباس والحسن وأبي رجاء والأعرج وأبي جعفر وشيبة وجماعة وافرة. وقرأ ابن كثير وعمرو والكسائي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروة بن الزبير ومسلم وابن جندب ومجاهد وغيرهم:«بظنين» ، بالظاء أي بمتهم، وهذا في المعنى نظير وصفه ب أَمِينٍ، وقيل معناه: بضعف القوة عن التبليغ من قولهم: بئر ظنون إذا كانت قليلة الماء، ورجح أبو عبيد قراءة: الظاء مشالة لأن قريشا لم تبخل محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأتي به وإنما كذبته، فقيل ما هو بمتهم، ثم نفى تعالى عن القرآن أن يكون كلام شيطان على ما قالت قريش: إن محمدا كاهن، ورَجِيمٍ معناه: مرجوم مبعد بالكواكب واللعنة وغير ذلك، وقوله تعالى: فَأَيْنَ