للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحة المقطوع بها فغير موجودة، وقال الزهري معناه: ليلة القدر العظيم والشرف الشأن من قولك: رجل له قدر، وقال أبو بكر الوراق: سميت ليلة القدر لأنها تكسب من أحياها قدرا عظيما لم يكن من قبل، وترده عظيما عند الله تعالى، وقيل سميت بذلك لأن كل العمل فيها له قدر خطير، وليلة القدر مستديرة في أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعول عليه، وهي في الأوتار بحسب الكمال والنقصان في الشهر، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين في كل ليلة إلى آخر الشهر، لأن الأوتار مع كمال الشهر، ليست الأوتار مع نقصانه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثالثة تبقى لخامسة تبقى، لسابعة تبقى» ، وقال: «التمسوها في الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة» ، وقال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، وقال ابن حبيب: يريد مالك إذا كان الشهر ناقصا، فظاهر هذا أنه عليه السلام احتاط في كمال شهر ونقصانه، وهذا لا تتحصل معه الليلة إلا بعمارة العشر كله، وروي عن أبي حنيفة وقوم: أن ليلة القدر رفعت، وهذا قول مردود، وإنما رفع تعيينها، وقال ابن مسعود: من يقم السنة كلها يصبها، وقال أبو رزين هي أول ليلة من شهر رمضان، وقال الحسن: هي ليلة سبع عشرة، وهي التي كانت في صبيحتها وقعة بدر، وقال كثير من العلماء: هي ليلة ثلاث وعشرين، وهي رواية عبد الله بن أنيس الجهني، وقاله ابن عباس، وقال أيضا هو وجماعة من الصحابة: هي ليلة سبع وعشرين، واستدل ابن عباس على قوله بأن الإنسان خلق من سبع وجعل رزقه في سبع، واستحسن ذلك عمر رضي الله عنه، وقال زيد بن ثابت وبلال: هي ليلة أربع وعشرين، وقال بعض العلماء: أخفاها الله تعالى عن عباده ليجدوا في العمل ولا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها، ثم عظم تعالى أمر ليلة القدر على نحو قوله: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: ٢] وغير ذلك، ثم أخبر أنها أفضل لمن عمل فيها عملا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام وثلث عام. وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه

قال حين عوتب في تسليمه الأمر لمعاوية: إن الله تعالى أرى نبيه في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فاهتم لذلك فأعطاه الله ليلة القدر، وهي خير من مدة ملك بني أمية، وأعلمه أنهم يملكون الناس هذا القدر من الزمان.

قال القاضي أبو محمد: ثم كشف الغيب أن كان من سنة الجماعة إلى قتل مروان الجعدي هذا القدر من الزمان بعينه مع أن القول يعارضه أنه قد ملك بنو أمية في غرب الأرض مدة غير هذه، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» . والرُّوحُ هو جبريل وقيل: هم صنف حفظة الملائكة وقوله تعالى: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ اختلف الناس في معناه، فمن قال إن في هذه الليلة تقدر الأمور للملائكة قال: إن هذا التنزل لذلك، ومِنْ لابتداء الغاية أي نزولهم من أجل هذه الأمور المقدرة وسببها، ويجيء سَلامٌ خبرا بنداء مستأنفا أي سلام هذه الليلة إلى أول يومها، وهذا قول نافع المقرئ والفراء وأبي العالية، وقال بعضهم مِنْ بمعنى الباء أي بكل أمر، ومن لم يقل بقدر الأمور في تلك الليلة قال معنى الآية تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بالرحمة والغفران والفواضل، ثم جعل قوله مِنْ كُلِّ أَمْرٍ متعلقا بقوله: سَلامٌ هِيَ أي من كل أمر مخوف ينبغي أن يسلم منه فهي سلام، وقال مجاهد: لا يصيب أحدا فيها داء. وقال الشعبي ومنصور: سَلامٌ بمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>