للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنكر، ولذلك قال علي وابن عباس: اقتتل الرجلان، أي قال المغير للمفسد: اتق الله، فأبى المفسد وأخذته العزة، فشرى المغير نفسه من الله تعالى وقاتله فاقتتلا.

وروي أن عمر بن الخطاب كان يجمع في يوم الجمعة شبابا من القراءة فيهم ابن عباس والحر بن قيس وغير هما فيقرؤون بين يديه ومعه، فسمع عمر ابن عباس رضي الله عنهم يقول: اقتتل الرجلان، حين قرأ هذه الآية، فسأله عما قال، ففسر له هذا التفسير، فقال له عمر: «لله تلادك يا ابن عباس» .

وقال أبو هريرة وأبو أيوب حين حمل هشام بن عامر على الصف في القسطنطينية فقال قوم: ألقى بيده إلى التهلكة، ليس كما قالوا، بل هذا قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ

الآية.

وابْتِغاءَ مفعول من أجله، ووقف حمزة على مَرْضاتِ بالتاء والباقون بالهاء. قال أبو علي:

«وجه وقف حمزة بالتاء إما أنه على لغة من يقول طلحت وعلقمت، ومنه قول الشاعر: [الرجز] بل جوز تيهاء كظهر الحجفت وإما أنه لما كان المضاف إليه في ضمن اللفظة ولا بد أثبت التاء كما تثبت في الوصل ليعلم أن المضاف إليه مراد.

وقوله تعالى: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ترجية تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية كما في قوله تعالى: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم في الآية.

ثم أمر تعالى المؤمنين بالدخول في السلم، وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي «السلم» بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها في هذا الموضع، فقيل: هما بمعنى واحد، يقعان للإسلام وللمسالمة.

وقال أبو عمرو بن العلاء: «السّلم بكسر السين الإسلام، وبالفتح المسالمة» ، وأنكر المبرد هذه التفرقة، ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالانتداب إلى الدخول في المسالمة، وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا لها، وأما أن يبتدىء بها فلا.

واختلف بعد حمل اللفظ على الإسلام من المخاطب؟ فقالت فرقة: جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أمرهم بالثبوت فيه والزيادة من التزام حدوده، ويستغرق كَافَّةً حينئذ المؤمنين وجميع أجزاء الشرع، فتكون الحال من شيئين، وذلك جائز، نحو قوله تعالى: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ [مريم: ٢٧] ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

وقال عكرمة: «بل المخاطب من آمن بالنبي من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره» . وذلك أنهم ذهبوا إلى تعظيم يوم السبت وكرهوا لحم الجمل وأرادوا استعمال شيء من أحكام التوراة وخلط ذلك بالإسلام فنزلت هذه الآية فيهم، ف كَافَّةً على هذا لإجزاء الشرع فقط.

وقال ابن عباس: «نزلت الآية في أهل الكتاب» ، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة، ف كَافَّةً على هذا لإجزاء الشرع وللمخاطبين على من يرى السلم الإسلام، ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>