«تكلف» بضم التاء «نفس» على ما لم يسمّ فاعله، وقرأ أبو رجاء «تكلّف» بفتح التاء بمعنى تتكلف «نفس» فاعله، وروى عنه أبو الأشهب «لا نكلّف» بالنون «نفسا» بالنصب، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبان عن عاصم «لا تضار والدة» بالرفع في الراء، وهو خبر معناه الأمر، ويحتمل أن يكون الأصل «تضارر» بكسر الراء الأولى فوالدة فاعل، ويحتمل أن يكون «تضارر» بفتح الراء الأولى فوالدة مفعول لم يسم فاعله، ويعطف مولود له على هذا الحد في الاحتمالين، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم لا تُضَارَّ بفتح الراء المشددة، وهذا على النهي، ويحتمل أصله ما ذكرنا في الأولى، ومعنى الآية في كل قراءة: النهي عن أن تضار الوالدة زوجها المطلق بسبب ولدها، وأن يضارها هو بسبب الولد، أو يضار الظئر، لأن لفظة نهيه تعم الظئر، وقد قال عكرمة في قوله: لا تُضَارَّ والِدَةٌ: معناه الظئر، ووجوه الضرر لا تنحصر، وكل ما ذكر منها في التفاسير فهو مثال. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ «لا تضارر» براءين الأولى مفتوحة. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «لا تضار» بإسكان الراء وتخفيفها، وروي عنه الإسكان والتشديد، وروي عن ابن عباس «لا تضارر» بكسر الراء الأولى.
واختلف العلماء في معنى قوله تعالى: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ. فقال قتادة والسدي والحسن وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهم: هو وارث الصبي إن لو مات، قال بعضهم: وارثه من الرجال خاصة يلزمه الإرضاع كما كان يلزم أبا الصبي لو كان حيا، وقاله مجاهد وعطاء، وقال قتادة أيضا وغيره: هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه. وحكى الطبري عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن أنهم قالوا: الوارث الذي يلزمه إرضاع المولود هو وليه ووارثه إذا كان ذا رحم محرم منه، فإن كان ابن عم وغيره وليس بذي رحم محرم فلا يلزمه شيء.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا القول تحكم، وقال قبيصة بن ذؤيب والضحاك وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبد العزيز: الوارث هو الصبي نفسه، أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه، وقال سفيان رحمه الله:«الوارث هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما» ويرى مع ذلك إن كانت الوالدة هي الباقية أن يشاركها العاصب في إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث. ونص هؤلاء الذين ذكرت أقوالهم على أن المراد بقوله تعالى: مِثْلُ ذلِكَ الرزق والكسوة، وذكر ذلك أيضا من العلماء إبراهيم النخعي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والشعبي والحسن وابن عباس وغيرهم. وقال مالك رحمه الله في المدونة وجميع أصحابه والشعبي أيضا والزهري والضحاك وجماعة من العلماء: المراد بقوله مِثْلُ ذلِكَ أن لا يضار، وأما الرزق والكسوة فلا شيء عليه منه، وروى ابن القاسم عن مالك أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث ثم نسخ ذلك.
قال القاضي أبو محمد: فالإجماع من الأمة في أن لا يضار الوارث، والخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا؟، وقرأ يحيى بن يعمر «وعلى الورثة مثل ذلك» بالجمع.