قام وضعته بين يديه فقال: من أين هذا؟ فقالت من الدقيق الذي سقت، فعلم إبراهيم أن الله تعالى يسر لهم ذلك، وقال الربيع وغيره في هذه القصص: ان النمرود لما قال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أحضر رجلين فقتل أحدهما وأرسل الآخر وقال: قد أحييت هذا وأمتّ هذا، فلما رد عليه بأمر الشمس بهت، والرواية الأخرى ذكر السدي: أنه لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه، فكلمه وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال نمرود: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، أنا آخذ أربعة نفر فأدخلهم بيتا ولا يطعمون شيئا ولا يسقون، حتى إذا جاعوا أخرجتهم فأطعمت اثنين فحييا، وتركت اثنين فماتا، فعارضه إبراهيم بالشمس فبهت. وذكر الأصوليون في هذه الآية: أن إبراهيم عليه السلام وصف ربه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة، لكنه أمر له حقيقة ومجاز، قصد إبراهيم عليه السلام الحقيقة، ففزع نمرود إلى المجاز وموه به على قومه، فسلم له إبراهيم تسليم الجدل، وانتقل معه من المثال، وجاءه بأمر لا مجاز فيه، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، ولم يمكنه أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق، لأن ذوي الأسنان يكذبونه. وقوله حَاجَّ وزنه «فاعل» من الحجة أي جاذبه إياها والضمير في رَبِّهِ يحتمل أن يعود على إبراهيم عليه السلام، ويحتمل أن يعود على الَّذِي حَاجَّ، وأَنْ مفعول من أجله والضمير في آتاهُ للنمرود، وهذا قول جمهور المفسرين، وقال المهدوي: يحتمل أن يعود الضمير على إبراهيم أن آتاه ملك النبوءة، وهذا تحامل من التأويل، وقرأ جمهور القراء أن أحيي بطرح الألف التي بعد النون من أَنَا إذا وصلوا في كل القرآن غير نافع، فإن ورشا وابن أبي أويس وقالون رأوا إثباتها في الوصل إذا لقيتها همزة في كل القرآن، مثل أنا أحيي أنا أخوك إلا في قوله تعالى: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ [الأعراف: ١٨٨][الشعراء: ١١٥] فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القراء وتابع أصحابه في حذفها عند غير همزة، قال أبو علي: ضمير المتكلم الاسم فيه الهمزة والنون ثم إن الألف تلحق في الوقف كما تلحق الهاء أحيانا في الوقف فإذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء سقطت الهاء فكذلك الألف، وهي مثل ألف حيهلا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مثال الألف التي تلحق في القوافي، فتأمل. قال أبو علي: فإذا اتصلت الكلمة بشيء سقطت الألف، لأن الشيء الذي تتصل به الكلمة يقوم مقام الألف، وقد جاءت الألف مثبتة في الوصل في الشعر من ذلك قول الشاعر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ... حميدا قد تذريت السناما
وقرأ الجمهور:«فبهت» الذي بضم الباء وكسر الهاء، يقال بهت الرجل: إذا انقطع وقامت عليه الحجة. قال ابن سيده: ويقال في هذا المعنى: «بهت» بفتح الباء وكسر الهاء، «وبهت» بفتح الباء وضم الهاء. قال الطبري: وحكي عن بعض العرب في هذا المعنى، «بهت» بفتح الباء والهاء.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: هكذا ضبطت اللفظة في نسخة ابن ملول دون تقييد بفتح الباء والهاء، قال ابن جني: قرأ أبو حيوة: «فبهت» بفتح الباء وضم الهاء هي لغة في بهت بكسر الهاء، قال: وقرأ ابن السميفع: «فبهت» بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر، فالذي في موضع