على أربابها فرض بهذه الآية، وذهب الربيع إلى أن ذلك وجب بهذه الألفاظ، ثم خففه الله تعالى بقوله:
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [البقرة: ٢٨٣] . وقال الشعبي: كانوا يرون أن قوله: فَإِنْ أَمِنَ ناسخ لأمره بالكتب، وحكى نحوه ابن جريج، وقاله ابن زيد، وروي عن أبي سعيد الخدري، وقال جمهور العلماء:
الأمر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب، وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتاب وإن كان غير ذلك فالكتب ثقاف في دينه وحاجة صاحب الحق، وقال بعضهم: إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة، وهذا هو القول الصحيح، ولا يترتب نسخ في هذا لأن الله تعالى ندب إلى الكتب فيما للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع، فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس، ثم علم تعالى أنه سيقع الائتمان فقال إن وقع ذلك فَلْيُؤَدِّ [البقرة: ٢٨٣] الآية، فهذه وصية للذين عليهم الديون، ولم يجزم تعالى الأمر نصا بأن لا يكتب إذا وقع الائتمان، وأما الطبري رحمه الله فذهب إلى أن الأمر بالكتب فرض واجب وطول في الاحتجاج، وظاهر قوله أنه يعتقد الأوامر على الوجوب حتى يقوم دليل على غير ذلك.
واختلف الناس في قوله تعالى: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ فقال عطاء وغيره: واجب على الكاتب أن يكتب، وقال الشعبي وعطاء أيضا: إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب، وقال السدي: هو واجب مع الفراغ، وقوله تعالى: بِالْعَدْلِ معناه بالحق والمعدلة، والباء متعلقة بقوله تعالى: وَلْيَكْتُبْ، وليست متعلقة ب كاتِبٌ لأنه كان يلزم أن لا يكتب وثيقة إلا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصبي والعبد والمسخوط إذا أقاموا فقهها، أما أن المنتصبين لكتبها لا يتجوز للولاة ما أن يتركوهم إلا عدولا مرضيين، وقال مالك رحمه الله: لا يكتب الوثائق من الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ثم نهى الله تعالى الكتاب عن الإباية، وأبى يأبى شاذ لم يجىء إلا قلى يقلى وأبا يأبى، ولا يجيء فعل يفعل بفتح العين في المضارع إلا إذا رده حرف حلق، قال الزجّاج والقول في أبى أن الألف فيه أشبهت الهمزة فلذلك جاء مضارعه يفعل بفتح العين، وحكى المهدوي عن الربيع والضحاك أن قوله وَلا يَأْبَ منسوخ بقوله لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة: ٢٨٢] والكاف في قوله كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ متعلقة بقوله: أَنْ يَكْتُبَ المعنى كتبا كما علمه الله، هذا قول بعضهم، ويحتمل أن تكون كَما متعلقة بما في قوله وَلا يَأْبَ من المعنى أي كما أنعم الله عليه بعلم الكتابة فلا يأب هو، وليفضل كما أفضل الله عليه، ويحتمل أن يكون الكلام على هذا المعنى تاما عند قوله: أَنْ يَكْتُبَ، ثم يكون قوله: كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ ابتداء كلام، وتكون الكاف متعلقة بقوله فَلْيَكْتُبْ.
قال القاضي أبو محمد: وأما إذا أمكن الكتاب فليس يجب الكتب على معين، ولا وجوب الندب، بل له الامتناع إلا إن استأجره، وأما إذا عدم الكاتب فيتوجه وجوب الندب حينئذ على الحاضر، وأما الكتب في الجملة فندب كقوله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج: ٧٧] وهو من باب عون الضائع.
قوله عز وجل:
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فإن كان الّذى عليه الحقّ