ثم ضعف أبو علي هذا القياس وقال إن سيبويه لا يرى جمع الجمع مطردا فينبغي أن لا يقدم عليه حتى يرد سماعا.
وقوله عز وجل: مَقْبُوضَةٌ يقتضي بينونة المرتهن بالرهن، وأجمع الناس على صحة قبض المرتهن، وكذلك على قبض وكيله فيما علمت.
واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه، فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء قبض العدل قبض، وقال الحكم بن عتيبة وأبو الخطاب قتادة بن دعامة وغيرهما: ليس قبض العدل بقبض، وقول الجمهور أصح من جهة المعنى في الرهن.
وقوله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ الآية، شرط ربط به وصية الذي عليه الحق بالأداء، وقوله فَلْيُؤَدِّ أمر بمعنى الوجوب بقرينة الإجماع على وجوب أداء الديون وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه، وبقرينة الأحاديث الصحاح في تحريم مال الغير، وقوله أَمانَتَهُ مصدر سمي به الشيء الذي في الذمة، وأضافها إلى الذي عليه الدين من حيث لها إليه نسبة، ويحتمل أن يريد بالأمانة نفس المصدر، كأنه قال:
فليحفظ مروءته، فيجيء التقدير: فليؤد ذا أمانته، وقرأ عاصم فيما روى عنه أبو بكر الذي اؤتمن برفع الألف ويشير بالضم إلى الهمزة، قال أحمد بن موسى وهذه الترجمة غلط، وقرأ الباقون بالذال مكسورة وبعدها همزة ساكنة بغير إشمام، وهذا هو الصواب الذي لا يجوز غيره، وروى سليم عن حمزة إشمام الهمزة الضم، وهذا خطأ أيضا لا يجوز، وصوّب أبو علي هذا القول كله الذي لأحمد بن موسى واحتج له، وقرأ ابن محيصن «الذي أيتمن» بياء ساكنة مكان الهمزة، وكذلك ما كان مثله.
وقوله تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ نهي على الوجوب بعدة قرائن، منها الوعيد وموضع النهي هو حيث يخاف الشاهد ضياع حق، وقال ابن عباس على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد ويخبر حيثما استخبر، قال ولا تقل أخبر بها عند الأمير بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا عندي بحسب قرينة حال الشاهد والمشهود فيه والنازلة، لا سيما مع فساد الزمن وأرذال الناس ونفاق الحيلة وأعراض الدنيا عند الحكام، فرب شهادة إن صرح بها في غير موضع النفوذ كانت سببا لتخدم باطلا ينطمس به الحق، وآثِمٌ معناه قد تعلق به الحكم اللاحق عن المعصية في كتمان الشهادة، وإعرابه أنه خبر «إن» ، وقَلْبُهُ فاعل ب آثِمٌ، ويجوز أن يكون ابتداء وقَلْبُهُ فاعل يسد مسد الخبر، والجملة خبر إن، ويجوز أن يكون قَلْبُهُ بدلا على بدل البعض من الكل.
وخص الله تعالى ذكر القلب إذ الكتم من أفعاله، وإذ هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كما قال عليه السلام، وقرأ ابن أبي عبلة «فإنه آثم قلبه» بنصب الباء، قال مكي هو على التفسير ثم ضعفه من أجل أنه معرفة.
وفي قوله تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ توعد وإن كان لفظها يعم الوعيد والوعد.