للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني بإبراهيم الخليل عليه السلام، والآل في اللغة، الأهل والقرابة، ويقال للأتباع وأهل الطاعة آل، فمنه آل فرعون، ومنه قول الشاعر وهو أراكة الثقفي في رثاء النبي عليه السلام وهو يعزي نفسه في أخيه عمرو:

[الطويل]

فلا تبك ميتا بعد ميت أجنّه ... عليّ وعبّاس وآل أبي بكر

أراد جميع المؤمنين، و «الآل» في هذه الآية يحتمل الوجهين، فإذا قلنا أراد بالآل القرابة والبيتية فالتقدير إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى هؤلاء على عالمي زمانهم أو على العالمين عاما بأن يقدر محمدا عليه السلام من آل إبراهيم، وإن قلنا أراد بالآل الأتباع فيستقيم دخول أمة محمد في الآل لأنها على ملة إبراهيم، وذهب منذر بن سعيد وغيره إلى أن ذكر آدم يتضمن الإشارة إلى المؤمنين به من بنيه وكذلك ذكر نوح عليه السلام وأن «الآل» الأتباع فعمت الآية جميع مؤمني العالم فكان المعنى، أن الله اصطفى المؤمنين على الكافرين، وخص هؤلاء بالذكر تشريفا لهم ولأن الكلام في قصة بعضهم، وآلَ عِمْرانَ أيضا يحتمل من التأويل ما تقدم في آلَ إِبْراهِيمَ، وعمران هو رجل من بني إسرائيل من ولد سليمان بن داود فيما حكى الطبري، قال مكي: هو عمران بن ماثال، وقال قتادة في تفسير هذه الآية: ذكر الله تعالى أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين، ففضلهم على العالمين فكان محمد من آل إبراهيم، وقال ابن عباس: «اصطفى الله» هذه الجملة بالدين والنبوة والطاعة له.

وقوله تعالى: ذُرِّيَّةً نصب على البدل، وقيل على الحال لأن معنى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ متشابهين في الدين والحال، وهذا أظهر من البدل، والذرية في عرف الاستعمال تقع لما تناسل من الأولاد سفلا، واشتقاق اللفظة في اللغة يعطي أن تقع على جميع الناس أي كل أحد ذرية لغيره فالناس كلهم ذرية بعضهم لبعض، وهكذا استعملت الذرية في قوله تعالى: أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس: ٤١] أي ذرية هذا الجنس ولا يسوغ أن يقول في والد هذا ذرية لولده وإذ اللفظة من ذر إذا بث فهكذا يجيء معناها، وكذلك إن جعلناها من «ذرى» وكذلك إن جعلت من ذرأ أو من الذر الذي هو صغار النمل، قال أبو الفتح: الذرية يحتمل أن تكون مشتقة من هذه الحروف الأربعة، ثم طول أبو الفتح القول في وزنها على كل اشتقاق من هذه الأربعة الأحرف تطويلا لا يقتضي هذا الإيجاز ذكره وذكرها أبو علي في الأعراف في ترجمة مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: ١٧٢] قال الزجّاج: أصلها فعلية من الذر، لأن الله أخرج الخلق من صلب آدم كالذر، قال أبو الفتح: هذه نسبة إلى الذر غير أولها كما قالوا في النسبة إلى الحرم: حرمي بكسر الحاء وغير ذلك من تغيير النسب قال الزجّاج: وقيل أصل ذُرِّيَّةً ذرورة، وزنها فعلولة فلما كثرت الراءات أبدلوا من الأخيرة ياء فصارت ذروية ثم أدغمت الواو في الياء فجاءت ذُرِّيَّةً.

قال القاضي فهذا اشتقاق من ذر يذر، أو من ذرى، وإذا كانت من ذرأ فوزنها فعلية كمريقة أصلها ذرئة فألزمت البدل والتخفيف كما فعلوا في البرية في قول من رآها من برأ الله الخلق، وفي كوكب دري، في قول من رآه من- درأ- لأنه يدفع الظلمة بضوئه.

وقرأ جمهور الناس «ذرية» بضم الذال وقرأ زيد بن ثابت والضحاك، «ذرية» بكسر الذال، وقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>