قال أبو محمد: وهذا الاستهام غير الأول، هذا المراد منه دفعها، والأول المراد منه أخذها، ومضمن هذه الرواية أن زكرياء كفلها من لدن طفولتها دون استهام، لكن أمها هلكت وقد كان أبوها هلك وهي في بطن أمها فضمها زكرياء إلى نفسه لقرابتها من امرأته، وهكذا قال ابن إسحاق، والذي عليه الناس أن زكرياء إنما كفل بالاستهام لتشاحهم حينئذ فيمن يكفل المحرر، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وكفلها زكرياء مفتوحة الفاء، خفيفة «زكرياء» مرفوعا ممدودا، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وكفلها مشدد الفاء ممدودا منصوبا في جميع القرآن، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص، «كَفَّلَها» مشددة الفاء مفتوحة، «زَكَرِيَّا» مقصورا في جميع القرآن، وفي رواية أبي بن كعب، و «أكفلها زكرياء» بفتح الفاء على التعدية بالهمزة، وقرأ مجاهد، «فتقبلها» بسكون اللام على الدعاء «ربّها» بنصب الباء على النداء و «أنبتها» بكسر الباء على الدعاء، و «كفلها» بكسر الفاء وشدها على الدعاء زكرياء منصوبا ممدودا، وروي عن عبد الله بن كثير، وأبي عبد الله المزني، «وكفلها» بكسر الفاء خفيفة وهي لغة يقال: كفل يكفل بضم العين في المضارع، وكفل بكسر العين يكفل بفتحها في المضارع، «زكرياء» اسم أعجمي يمد ويقصر، قال أبو علي: لما عرب صادق العربية في بنائه فهو كالهيجاء تمد وتقصر، قال الزجاج: فأما ترك صرفه فلأن فيه في المد ألفي تأنيث وفي القصر ألف التأنيث، قال أبو علي: ألف زكرياء ألف تأنيث ولا يجوز أن تكون ألف إلحاق، لأنه ليس في الأصول شيء على وزنه، ولا يجوز أن تكون منقلبة، ويقال في لغة زكرى منون معرب، قال أبو علي: هاتان ياء نسب ولو كانتا اللتين في زَكَرِيَّا لوجب ألا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف وإنما حذفت تلك وجلبت ياء النسب، وحكى أبو حاتم، زكرى بغير صرف وهو غلط عند النحاة، ذكره مكي.
وقوله تعالى: كُلَّما ظرف والعامل فيه وَجَدَ، والْمِحْرابَ المبنى الحسن كالغرف والعلالي ونحوه، ومحراب القصر أشرف ما فيه ولذلك قيل لأشرف ما في المصلى وهو موقف الإمام محراب، وقال الشاعر:
[وضاح اليمن][السريع]
ربّة محراب إذا جئتها ... لم ألقها أو أرتقي سلّما
ومثل قول الآخر:[عدي بن زيد][الخفيف]
كدمى العاج في المحاريب أو كال ... بيض في الرّوض زهره مستنير
وقوله تعالى: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، معناه طعاما تتغذى به ما لم يعهده ولا عرف كيف جلب إليها، وكانت فيما ذكر الربيع، تحت سبعة أبواب مغلقة وحكى مكي أنها كانت في غرفة يطلع إليها بسلم، وقال ابن عباس: وجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه، وقاله ابن جبير ومجاهد، وقال الضحاك ومجاهد أيضا وقتادة: كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وقال ابن عباس: كان يجد عندها ثمار الجنة: فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، وقال الحسن: كان يجد عندها رزقا من السماء ليس عند الناس ولو أنه علم أن ذلك الرزق من عنده لم يسألها عنه، وقال ابن إسحاق: هذا الدخول الذي ذكر الله تعالى في قوله كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها إنما هو دخول زكرياء عليها وهي في كفالة جريج