ينبغي أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير، لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر أن تدل على الكثرة.
قال القاضي: إلا أن أحدا في مثل النبوة يدل عليها من حيث يقتضي الاتباع، وقرأ الأعمش، وشعيب بن أبي حمزة- «إن يؤتى» - بكسر الهمزة بمعنى، لم يعط أحد مثل ما أعطيتم من الكرامة وهذه القراءة يحتمل بمعنى فليحاجوكم، وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتي، ويحتمل أن تكون بمعنى، إلا أن يحاجوكم، وهذا على تجويز أن تؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له، فهذا ترتيب التفسير والقراءات على قول من قال: الكلام كله من قول الطائفة.
وقال السدي وغيره: الكلام كله من قوله قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ، إلى آخر الآية هو مما أمر به محمد عليه السلام أن يقوله لأمته، وحكى الزجّاج وغيره أن المعنى: قل إن الهدى هو هذا الهدى، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وحكي عن بعض النحويين أن المعنى: أن لا يؤتي أحدا، وحذفت- لا- لأن في الكلام دليلا عليها، كما في قوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء: ١٧٦] أي أن لا تضلوا، وحكي عن أبي العباس المبرد: لا تحذف لا، وإنما المعنى كراهة أن تضلوا، وكذلك هنا كراهة «أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم» ، أي ممن خالف دين الإسلام، لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وتبعد من هذا القول قراءة ابن كثير بالاستفهام والمد، وتحمل عليه قراءة الأعمش وابن أبي حمزة- «إن يؤتى» - بكسر الألف، كأنه عليه السلام يخبر أمته أن الله لا يعطي أحدا ولا أعطى فيما سلف مثل ما أعطى أمة محمد عليه السلام لكونها وسطا ويكون قوله تعالى: أَوْ يُحاجُّوكُمْ على هذه المعاني التي ترتبت في قول السدي، تحتمل معنيين أحدهما «أو فليحاجوكم عند ربكم» ، يعني اليهود، فالمعنى لم يعط أحد مثل حظكم وإلا فليحاجوكم من ادعى سوى ذلك، والمعنى الثاني: أن يكون قوله، أَوْ يُحاجُّوكُمْ بمعنى التقرير والإزراء باليهود، كأنه قال: أو هل لهم أن يحاجوكم أو يخاصموكم فيما وهبكم الله وفضلكم به؟ وقوله: هُدَى اللَّهِ على جميع ما تقدم خبران.
وقال قتادة والربيع: الكلام من قوله قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ إلى آخر الآية، هو مما أمر به محمد عليه السلام أن يقوله للطائفة التي قالت وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وتتفق مع هذا القول قراءة ابن كثير بالاستفهام والمد، وتقدير الخبر المحذوف أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ، حسدتم وكفرتم، ويكون قوله أَوْ يُحاجُّوكُمْ محمولا على المعنى، كأنه قال: أتحسدون أو تكفرون لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟
أَوْ يُحاجُّوكُمْ على ما أوتوه فإنه يغلبونكم بالحجة، وأما على قراءة غير ابن كثير بغير المد، فيحتمل أن يكون بمعنى التقرير بغير حرف استفهام، وذلك هو الظاهر من لفظ قتادة فإنه قال: يقول لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم وبعث نبيا مثل نبيكم حسدتموهم على ذلك، ويحتمل أن يكون قوله: أَنْ يُؤْتى بدلا من قوله هُدَى اللَّهِ ويكون المعنى: قل إن الهدى هدى الله، وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن، ويكون قوله أَوْ يُحاجُّوكُمْ بمعنى، أو فليحاجوكم، فإنه يغلبونكم، ويحتمل قوله، أَنْ يُؤْتى خبر- «إن»