له الرجل: أراك تركت شيئا وهو أوثقها في نفسي الصيام، فقال أبوذر: قربة وليس هناك، ثم تلا لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ الآية، وقوله تعالى وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ شرط وجواب فيه وعد، أي عليم مجاز به وإن قل.
قوله تعالى: كُلُّ الطَّعامِ الآية، إخبار بمغيب عن محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأميين لا يعلمه إلا الله وعلماء أهل الكتاب، وذهب كثير من المفسرين إلى أن معنى الآية: الرد على اليهود في قولهم في كل ما حرموه على أنفسهم من الأشياء: إنها محرمة عليهم بأمر الله في التوراة، فأكذبهم الله بهذه الآية، وأخبر أن جميع الطعام كان حلا لهم، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه خاصة، ولم يرد به ولده، فلما استنوا هم به جاءت التوراة بتحريم ذلك عليهم، وليس من التوراة شيء من الزوائد التي يدعون أن الله حرمها، وإلى هذا تنحو ألفاظ السدي، وقال: إن الله تعالى حرم ذلك عليهم في التوراة عقوبة لاستنانهم في تحريم شيء إنما فعله يعقوب خاصة لنفسه، قال: فذلك قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء: ١٦٠] قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: والظاهر في لفظة ظلم أنها مختصة بتحريم ونحوه، يدل على ذلك أن العقوبة وقعت بذلك النوع، وذهب قوم من العلماء إلى أن معنى الآية: الرد على قوم من اليهود قالوا: إن ما نحرمه الآن على أنفسنا من الأشياء التي لم تذكر في التوراة كان علينا حراما في ملة أبينا إبراهيم، فأكذبهم الله وأخبر أن الطعام كله كان حلالا لهم قبل التوراة إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ في خاصته، ثم جاءت التوراة بتحريم ما نصت عليه، وبقيت هذه الزوائد في حيز افترائهم وكذبهم، وإلى هذا تنحو ألفاظ ابن عباس رضي الله عنهما وترجم الطبري في تفسير هذه الآية بتراجم، وأدخل تحتها أقوالا توافق تراجمه، وحمل ألفاظ الضحاك أن الاستثناء منقطع وكأن المعنى: كل الطعام كان حلا لهم قبل نزول التوراة وبعد نزولها.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: فيرجع المعنى إلى القول الأول الذي حكيناه، وحمل الطبري قول الضحاك إن معناه: لكن إسرائيل حرم على نفسه خاصة ولم يحرم الله على بني إسرائيل في توراة ولا غيرها.
قال الفقيه الإمام: وهذا تحميل يرد عليه قوله تعالى: حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ [الأنعام: ١٤٦] وقوله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليهم الشحوم إلى غير ذلك من الشواهد، وقوله تعالى: حِلًّا معناه: حلالا، وإِسْرائِيلَ هو يعقوب، وانتزع من هذه الآية أن للأنبياء أن يحرموا باجتهادهم على أنفسهم ما اقتضاه النظر لمصلحة أو قربة أو زهد، ومن هذا على جهة المصلحة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم جاريته، فعاتبه الله تعالى في ذلك ولم يعاتب يعقوب، فقيل: إن ذلك لحق آدمي ترتب في نازلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: إن هذا تحريم تقرب وزهد، وتحريم الجارية تحريم غضب ومصلحة نفوس، واختلف الناس في الشيء الذي حرمه يعقوب على نفسه فقال يوسف بن ماهك: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال له: إنه جعل امرأته عليه حراما، فقال ابن عباس: إنها ليست عليك بحرام، فقال الأعرابي: ولم؟