للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنالك، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من أحدث حدثا ثم استجار بالبيت فهو آمن، وإن الأمن في الإسلام كما كان في الجاهلية، والإسلام زاد البيت شرفا وتوقيرا، فلا يعرض أحد بمكة لقاتل وليه، إلا أنه يجب على المسلمين ألا يبايعوا ذلك الجاني ولا يكلموه ولا يؤوه حتى يتبرم فيخرج من الحرم فيقام عليه الحد، وقال بمثل هذا عبيد بن عمير والشعبي وعطاء بن أبي رباح والسدي وغيرهم، إلا أن أكثرهم قالوا هذا فيمن يقتل خارج الحرم ثم يعوذ بالحرم، فأما من يقتل في الحرم، فإنه يقام عليه الحد في الحرم.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وإذا تؤمل أمر هذا الذي لا يكلم ولا يبايع، فليس بآمن، وقال يحيى بن جعدة: معنى الآية ومن دخل البيت كان آمنا من النار، وحكى النقاش عن بعض العباد قال: كنت أطوف حول الكعبة ليلا فقلت: يا رب إنك قلت: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فمن ماذا هو آمن يا رب؟ فسمعت مكلما يكلمني وهو يقول: من النار، فنظرت وتأملت فما كان في المكان أحد.

وقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ الآية، هو فرض الحج في كتاب الله بإجماع، وقال مالك رحمه الله: الحج كله في كتاب الله، فأما الصلاة والزكاة فهي من جملة الذي فسره النبي عليه السلام، والحج من دعائم الإسلام التي بني عليها حسب الحديث، وشروط وجوبه خمسة، البلوغ، والعقل، والحرية، والإسلام، واستطاعة السبيل، والحج في اللغة: القصد لكنه في بيت الله مخصص بأعمال وأقوال، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: «حج البيت» بكسر الحاء، وقرأ الباقون: «حج البيت» بفتحها، قال سيبويه: حج حجا مثل ذكر ذكرا، قال أبو علي: فحج على هذا مصدر، وقال سيبويه أيضا:

قالوا غزاة فأرادوا عمل وجه واحد، كما قيل حجة.

قال القاضي: بكسر الحاء يريدون عمل سنة واحدة، ولم يجيئوا به على الأصل لكنه اسم له، قال أبو علي: قوله لم يجيئوا به على الأصل يريد على الفتح الذي هو الدفعة من الفعل، ولكن كسروه فجعلوه اسما لهذا المعنى، كما أن غزاة كذلك، ولم تجىء فيه الغزوة وكان القياس.

قال القاضي: وأكثر ما التزم كسر الحاء في قولهم ذو الحجة، وأما قولهم حجة الوداع ونحوه فإنها على الأصل، وقال الزجّاج وغيره، «الحج» : بفتح الحاء المصدر، وبكسرها اسم العمل، وقال الطبري:

هما لغتان الكسر لغة نجد، والفتح لغة أهل العالية.

وقوله تعالى: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، مَنْ في موضع خفض بدل من النَّاسِ، وهو بدل البعض من الكل وقال الكسائي وغيره: هي شرط في موضع رفع بالابتداء، والجواب محذوف تقديره: من استطاع فعليه الحج، ويدل عليه عطف الشرط الآخر بعده في قوله: وَمَنْ كَفَرَ، وقال بعض البصريين: مَنْ رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حِجُّ الْبَيْتِ ويكون المصدر مضافا إلى المفعول، واختلف الناس في حال مستطيع السبيل كيف هي؟ فقال عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير: هي حال الذي يجد زادا وراحلة، وروى الطبري عن الحسن من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال له رجل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة، وأسند الطبري إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك زادا وراحلة

<<  <  ج: ص:  >  >>