الفريضة، فليخرج وليدعهما، فهذا على الفور، وقال مالك في المرأة يموت عنها زوجها فتريد الخروج إلى الحج: لا تخرج في أيام عدتها، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: فجعله على التراخي.
قال القاضي: وهذا استقراء فيه نظر، واختلف قول مالك رحمه الله فيمن يخرج إلى الحج على أن يسأل الناس جائيا وذاهبا ممن ليست تلك عادته في إقامته، فروى عنه ابن وهب أنه قال: لا بأس بذلك، قيل له فإن مات في الطريق قال: حسابه على الله، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: لا أرى للذين لا يجدون ما ينفقون أن يخرجوا إلى الحج والغزو، ويسألوا وإني لأكره ذلك، لقول الله سبحانه، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ [التوبة: ٩١] قال ابن القاسم: وكره مالك أن يحج النساء في البحر لأنها كشفة، وكره أن يحج أحد في البحر إلا مثل أهل الأندلس الذين لا يجدون منه بدا، وقال في كتاب محمد وغيره:
قال الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج: ٢٧] وما أسمع للبحر ذكرا.
قال الفقيه القاضي: وهذا تأنيس من مالك رحمه الله لسقوط لفظة البحر، وليس تقتضي الآية سقوط البحر، وسيأتي تفسير ذلك في موضعه إن شاء الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناس من أمتي عرضوا عليّ ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، يركبون ثبج هذا البحر الأخضر غزاة في سبيل الله.
قال القاضي أبو محمد: ولا فرق بين الغزو والحج، واختلف في حج النساء ماشيات مع القدرة على ذلك، فقال في المدونة في المرأة تنذر مشيا فتمشي وتعجز في بعض الطريق: إنها تعود ثانية، قال:
والرجال والنساء في ذلك سواء، فعلى هذا، يجب الحج إذا كانت قادرة على المشي لأن حجة الفريضة آكد من النذر، وقال في كتاب محمد: لا أرى على المرأة الحج ماشية وإن قويت عليه، لأن مشيهن عورة، إلا أن يكون المكان القريب من مكة.
قال القاضي: وهذا ينظر بفقه الحال من رائعة ومتجالة، ولا حج على المرأة إلا إذا كان معها ذو محرم، واختلف إذا عدمته، هل يجب الحج بما هو في معناه من نساء ثقات يصطحبن في القافلة أو رجال ثقات؟ فقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو حنيفة وأصحابه:
المحرم من السبيل، ولا حج عليها إلا مع ذي محرم.
قال القاضي: وهذا وقوف مع لفظ الحديث، وقال مالك: تخرج مع جماعة نساء، وقال الشافعي:
تخرج مع حرة ثقة مسلمة، وقال ابن سيرين: تخرج مع رجل ثقة من المسلمين، وقال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول وتتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل.
قال القاضي: وهذه الأقوال راعت معنى الحديث، وجمهور الأمة على أن للمرأة أن تحج الفريضة وإن كره زوجها وليس له منعها، واضطرب قول الشافعي في ذلك، واختلف الناس في وجوب الحج مع وجود المكوس والغرامة، فقال سفيان الثوري: إذا كان المكس ولو درهما سقط فرض الحج عن الناس، وقال عبد الوهاب: إذا كانت الغرامة كثيرة مجحفة سقط الفرض، فظاهر هذا أنها إذا كانت كثيرة غير