للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرادوا: عاردا وبادرا، فحذفوا تخفيفا، وهذا كثير في كلامهم، وَكَأَيِّنْ في هذه الآية في موضع رفع بالابتداء، وهي بمنزلة «كم» وبمعناها تعطي في الأغلب التكثير، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: «قتل» ، بضم القاف وكسر التاء مخففة، وقرأ الباقون «قاتل معه» بألف بين القاف والتاء، وقرأ قتادة «قتل» بضم القاف وكسر التاء مشددة على التكثير، وقوله تعالى: «قتل» قال فيه جماعة من المفسرين منهم الطبري:

إنه مستند إلى ضمير نَبِيٍّ، والمعنى عندهم أن النبي قتل، قال ابن عباس في قوله: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران: ١٦١] النبي يقتل، فكيف لا يخان، وإذا كان هذا ف رِبِّيُّونَ مرتفع بالظرف بلا خلاف، وقوله: مَعَهُ رِبِّيُّونَ على هذا التأويل يجوز أن يكون صفة ل نَبِيٍّ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي أسند إليه «قتل» فإن جعلته صفة أضمرت للمبتدأ الذي هو كَأَيِّنْ خبرا تقديره في آخر الكلام: مضى أو ذهب أو فقد: فَما وَهَنُوا وإن جعلت مَعَهُ رِبِّيُّونَ حالا من الضمير فخبر المبتدأ في قوله: «قتل» وإذا جعلته صفة فالضمير في مَعَهُ عائد على «النبي» ، وإذا جعلته حالا فالضمير في مَعَهُ عائد على الضمير ذي الحال، وعلى كلا الوجهين من الصفة أو الحال ف «معه ربيون» متعلق في الأصل بمحذوف، وليس متعلقا «بقتل» ، وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة معه: إن «قتل» إنما هو مستند إلى قوله: رِبِّيُّونَ وهم المقتولون قال الحسن وسعيد بن جبير: لم يقتل نبي في حرب قط.

قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا القول يتعلق قوله: مَعَهُ ب قتل- وهذه الجملة- قتل معه ربيون، هي الابتداء ويتصور في قراءة من قرأ «قاتل» جميع ما ذكرته من التقديرات في قراءة «قتل» ، وأما قراءة قتادة «قتل» فقال أبو الفتح: لا يحسن أن يسند الفعل إلا إلى الربيين، لما فيه من معنى التكثير الذي لا يجوز أن يستعمل في قتل شخص واحد، فإن قيل: يستند إلى نبي مراعاة لمعنى «كم» فالجواب أن اللفظ قد مشى على جهة الإفراد في قوله مِنْ نَبِيٍّ ودل الضمير المفرد في مَعَهُ على أن المراد إنما هو التمثيل بواحد واحد، فخرج الكلام على معنى «كم» قال أبو الفتح: وهذه القراءة تقوي قول من قال من السبعة: إن «قتل» - بتخفيف التاء أو «قاتل» إنما يستند إلى الربيين، ورجح الطبري استناد «قتل» إلى «النبي» بدلالة نازلة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن المؤمنين إنما تخاذلوا لما قيل قتل محمد- فضرب المثل بنبي قتل.

قال القاضي أبو محمد: وإذا لم يسند الفعل إلى «نبي» فإنما يجيء معنى الآية: تثبيت المؤمنين بعد من قتل منهم فقط، وترجيح الطبري حسن، ويؤيد ذلك ما تقدم من قوله تعالى: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ [آل عمران: ١٤٤] وحجة من قرأ «قاتل» أنها أعم في المدح لأنه يدخلها فيها من قتل ومن بقي.

قال الفقيه أبو محمد: ويحسن عندي على هذه القراءة إسناد الفعل إلى الربيين، وعلى قراءة «قتل» إسناده إلى نبي، وأجمع السبعة وجماعة من الناس على كسر الراء من «ربيون» وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وابن عباس وعكرمة والحسن وأبو رجاء وعمرو بن عبيد وعطاء بن السائب:

«ربيون» بضم الراء، وروى قتادة عن ابن عباس «ربيون» بفتح الراء، قال ابن جني: الفتح في الراء لغة تميم وكلها لغات، واختلف الناس في معنى رِبِّيُّونَ فقال ابن مسعود: الربيون الألوف من الناس والجمع الكثير، وقال ابن عباس: رِبِّيُّونَ جموع كثير، وقاله الحسن وقتادة وعكرمة ولقول عبد الله بن مسعود وابن

<<  <  ج: ص:  >  >>