«الذين» اسم فيه إبهام يعم من قال في الماضي، ومن يقول في المستقبل، ومن حيث هذه النازلة تتصور في مستقبل الزمان، ويطرد النهي للمؤمنين فيها، فوضعت إِذا لتدل على اطراد الأمر في مستقبل الزمان، وهذه فائدة وضع المستقبل موضع الماضي، كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ [يونس: ٢٥] إلى نحوها من الآيات وكما قالت:
وفينا نبي يعلم ما في غد كما أن فائدة وضعهم الماضي موضع المستقبل للدلالة على ثبوت الأمر، لأن صيغة الماضي متحققة الوقوع، فمن ذلك قول الشاعر:
وإنّي لآتيكم تشكّر ما مضى ... من الأمر واستيجاب ما كان في غد
ومنه قول الربيع:
أصبحت لا أملك السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
و «الضرب في الأرض» : الإبعاد في السير، ومنه ضرب الدهر ضربانه: إذا بعدت المدة، وضرب الأرض: هو الذهاب فيها لحاجة الإنسان خاصة بسقوط «في» وقال السدي وغيره: في هذه الآية، الضرب في الأرض: السير في التجارة، وقال ابن إسحاق وغيره: بل هو السير في جميع طاعات الله ورسوله، والضرب في الأرض يعم القولين، وغُزًّى: جمع غاز، وزنه- فعل- بضم الفاء وشد العين المفتوحة كشاهد وشهد وقائل وقول، وينشد بيت رؤبة:[الرجز]
فالآن قد نهنهني تنهنهي ... وقول حلم ليس بالمسفّه
(وقول، الاده فلاده) يريد إن لم تتب الآن فلا تتوب أبدا، وهو مثل معناه: إن لم تكن كذا فلا تكن كذا، وقد روي، وقولهم إلا ده فلا ده، قال سيبويه وغيره: لا يدخل غُزًّى الجر ولا الرفع، وقرأته عامة القراء بتشديد الزاي، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والزهري:«غزى» مخففة الزاي، ووجهه إما أن يريد غزاة، فحذف الهاء إخلادا إلى لغة من يقول «غزّى» بالتشديد، وهذ الحرف كثير في كلامهم، قول الشاعر يمدح الكسائيّ:[الطويل]
يريد الأبوة جمع أب، كما أن العمومة جمع عم، والبنوة جمع ابن وقد قالوا: ابن وبنو، وتحتمل قراءتهما أن تكون تخفيفا للزاي من «غزى» ، ونظيره قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً [النبأ: ٢٨] في قول من قال: إنه تخفيف، وقد قيل: إنه مصدر جرى على غير المصدر، وقرأ الحسن «وما قتّلوا» مشددة التاء، وقوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ قال مجاهد: معناه يحزنهم قوله ولا ينفعهم.
قال القاضي: فالإشارة في ذلك إلى هذا المعتقد الذي لهم، جعل الله ذلك حسرة، لأن الذي يتيقن