إشارة بليغة إلى أن أيسر جزء منها خير من الدنيا، وأنه كاف في فوز العبد المؤمن، وتحتمل الآية أن يكون قوله لَمَغْفِرَةٌ إشارة إلى القتل أو الموت في سبيل الله، سمى ذلك مغفرة ورحمة إذ هما مقترنان به ويجيء التقدير: لذلك مغفرة ورحمة وترتفع المغفرة على خبر الابتداء المقدر، وقوله خَيْرٌ صفة لخبر الابتداء، وقرأ جمهور الناس «تجمعون» بالتاء على المخاطبة وهي أشكل بالكلام، وقرأ قوم منهم عاصم فيما روى عن حفص «يجمعون» بالياء، والمعنى مما يجمعه المنافقون وغيرهم.
ثم ذكر تعالى الحشر إليه، وأنه غاية لكل أحد قتل أو مات، وفي الآية تحقير لأمر الدنيا وحض على طلب الشهادة، أي إذا كان الحشر في كلا الأمرين فالمضي إليه في حال الشهادة أولى.
وقوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ، معناه: فبرحمة من الله «وما» قد جرد عنها معنى النفي ودخلت للتأكيد وليست بزائدة على الإطلاق لا معنى لها، وأطلق عليها سيبويه اسم الزيادة من حيث زال عملها، وهذه بمنزلة قوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ [النساء: ١٥٥] قال الزجاج: الباء بإجماع من النحويين صلة وفيها معنى التأكيد، ومعنى الآية: التقريع لجميع من أخل يوم- أحد- بمركزه، أي كانوا يستحقون الملام منك، وأن لا تلين لهم، ولكن رحم الله جميعكم، أنت يا محمد بأن جعلك الله على خلق عظيم، وبعثك لتتمم محاسن الأخلاق، وهم بأن لينك لهم وجعلت بهذه الصفات لما علم تعالى في ذلك من صلاحهم وأنك لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، وتفرقوا عنك، والفظ: الجافي في منطقه ومقاطعه، وفي صفة النبي عليه السلام في الكتب المنزلة: ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، وقال الجواري لعمر بن الخطاب: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله الحديث، وفظاظة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما كانت مستعملة منه آلة لعضد الحق والشدة في الدين، والفظاظة: الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا ومنه قول الشاعر: [البسيط]
أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخ ... وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
وغلظ القلب: عبارة عن تجهم الوجه وقلة الانفعال في الرغائب وقلة الإشفاق والرحمة ومن ذلك قول الشاعر: [البسيط]
يبكى علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل
والانفضاض: افتراق الجموع ومنه فض الخاتم.
قوله تعالى:
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ....
أمر الله تعالى رسوله بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عليه السلام عنهم ما