للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: لِإِخْوانِهِمْ معناه لأجل إخوانهم وفي شأن إخوانهم، ويحتمل أن يكون قوله:

لِإِخْوانِهِمْ للأحياء من المنافقين، ويكون الضمير في أَطاعُونا هو للمقتولين، وقوله: وَقَعَدُوا جملة في موضع الحال وهي حالة معترضة أثناء الكلام، وقوله: لَوْ أَطاعُونا يريد في أن لا يخرجوا إلى قريش، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «ما قتّلوا» بشد التاء، وهذا هو القول بالأجلين، فرد الله تعالى عليهم بقوله: قُلْ فَادْرَؤُا الآية، والدرء الدفع ومنه قول دغفل النسابة: [الرجز]

صادف درء السّيل درءا يدفعه ... والعبء لا تعرفه أو ترفعه

ولزوم هذه الحجة هو أنكم أيها القائلون: إن التوقي واستعمال النظر يدفع الموت، فتوقوا وانظروا في الذي يغشاكم منه حتف أنوفكم، فادفعوه إن كان قولكم صدقا، أي إنما هي آجال مضروبة عند الله.

وقرأ جمهور القراء: «ولا تحسبن» بالتاء مخاطبة للنبي عليه السلام، وقرأ حميد بن قيس، «ولا يحسبن» بالياء على ذكر الغائب، ورويت عن ابن عمر وذكره أبو عمرو وكأن الفاعل مقدر: ولا يحسبن أحد أو حاسب، وأرى هذه القراءة بضم الباء فالمعنى: ولا يحسب الناس، ويحسبن، معناه يظن، وقرأ الحسن: «الذين قتّلوا» ، بشد التاء، وابن عامر من السبعة، وروي عن عاصم أنه قرأ: «الذين قاتلوا» بألف بين القاف والتاء، وأخبر الله تعالى في هذه الآية عن الشهداء: أنهم في الجنة يرزقون، هذا موضع الفائدة، ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل، حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم، قال الحسن بن أبي الحسن: ما زال ابن آدم يتحمد حتى صار حيا لا يموت بالشهادة في سبيل الله، فقوله: بَلْ أَحْياءٌ مقدمة لقوله: يُرْزَقُونَ إذ لا يرزق إلا حي، وهذا كما تقول لمن ذم رجلا: بل هو رجل فاضل، فتجيء باسم الجنس الذي تركب عليه الوصف بالفضل، وقرأ جمهور الناس: «بل أحياء» بالرفع على خبر ابتداء مضمر، أي هم أحياء، وقرأ ابن أبي عبلة، «بل أحياء» بالنصب، قال الزجّاج: ويجوز النصب على معنى بل أحسبهم أحياء، قال أبو علي في الأغفال: ذلك لا يجوز لأن الأمر يقين فلا يجوز أن يؤمر فيه بمحسبة، ولا يصح أن يضمر له إلا فعل المحسبة.

قال القاضي: فوجه قراءة ابن أبي عبلة أن تضمر فعلا غير المحسبة، اعتقدهم أو اجعلهم وذلك ضعيف إذ لا دلالة في الكلام على ما يضمر، وقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ فيه حذف مضاف تقديره: عند كرامة ربهم، لأن عِنْدَ تقتضي غاية القرب، ولذلك لم تصغر قاله سيبويه، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أرواح الشهداء على نهر بباب الجنة يقال له بارق، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا، وروي عنه عليه السلام أنه قال: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها.

قال القاضي رحمه الله: وهؤلاء طبقات وأحوال مختلفة، يجمعها أنهم يرزقون، وقال عليه السلام:

إنما نسمة المؤمن طير تعلق في ثمار الجنة، ويروى يعلق بفتح اللام وبالياء، والحديث معناه في الشهداء خاصة، لأن أرواح المؤمنين غير الشهداء، إنما ترى مقاعدها من الجنة دون أن تدخلها، وأيضا فإنها لا ترزق، وتعلق معناه: تصيب العلقة من الطعام، وفتح اللام هو من التعلق، وقد رواه القراء في إصابة

<<  <  ج: ص:  >  >>