وقد تقدم الذكر للقراءة في الْمُحْصَناتِ، والْمُؤْمِناتِ صفة، فأما من يقول في الرجل يجد طولا لحرة كتابية لا لمؤمنة: إنه يمتنع عن نكاح الإماء، فهي صفة غير مشترطة، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح، إذ الأمة مؤمنة، وهذا هو المذهب المالكي، نص عليه ابن الماجشون في الواضحة ومن قال في الرجل لا يجد طولا إلا الكتابية: إنه يتزوج الأمة إن شاء، فصفة الْمُؤْمِناتِ عنده في الآية مشترطة في إباحة نكاح الإماء، والمسألة مختلف فيها حسبما ذكرناه، وما في قوله: فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يصح أن تكون مصدرية، تقديره: فمن ملك أيمانكم ويصح أن يراد بها النوع المملوك، فهي واقعة عليه، والفتاة- وإن كانت واقعة في اللغة على الشابة أية كانت، فعرفها في الإماء، وفتى- كذلك، وهذه المخاطبات بالكاف والميم عامة، أي: منكم الناكحون ومنكم المالكون، لأن الرجل ينكح فتاة نفسه، وهذا التوسع في اللغة كثير، والْمُؤْمِناتِ في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه، لأنهم يقولون: لا يجوز زواج أمة غير مسلمة بوجه، وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي: نكاح الأمة الكتابية جائز، وقوله الْمُؤْمِناتِ على جهة الوجه الفاضل، واحتجوا بالقياس على الحرائر، وذلك أنه لما لم يمنع قوله الْمُؤْمِناتِ في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر، فكذلك لا يمنع قوله الْمُؤْمِناتِ في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء، وقال أشهب في المدونة: جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية.
قال القاضي أبو محمد: فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معا، وقوله تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ معناه: أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها، فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح، وعلم باطنها إلى الله، وإنما هذا لئلا يستريب متحير بإيمان بعض الإماء، كالقريبة عهد بالسباء، أو كالخرساء وما أشبهه. وفي اللفظ أيضا تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض من الحرائر، أي: فلا تعجبوا بمعنى الحرية، وقوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ قالت طائفة: هو رفع على الابتداء والخبر، والمقصد بهذا الكلام أي إنكم أيها الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء، أكركم عند الله أتقاكم، فهذه توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها، أعلموا مع ذلك أن ذلك التهجين لا معنى له، وقال الطبري: هو رفع بفعل تقديره: فلينكح مما ملكت «أيمانكم بعضكم من بعض» فعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير. وهذا قول ضعيف.
قوله: بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ معناه: بولاية أربابهن المالكين، وقوله: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني مهورهن، قاله ابن زيد وغيره، وبِالْمَعْرُوفِ معناه: بالشرع والسنة، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة، وهو مذهب مالك قال في كتاب الرهون: ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز. قال سحنون في