تقدم، وكانت لعنتهم أن مسخوا خنازير وقردة، قاله قتادة والحسن والسدي: وأمر الله في هذا الموضع واحد الأمور، دال على جنسها، لا واحد الأوامر، فهي عبارة عن المخلوقات كالعذاب واللعنة هنا، أو ما اقتضاه كل موضع مما يختص به.
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الآية، هذه مسألة الوعد والوعيد، وتلخيص الكلام فيها أن يقال: الناس أربعة أصناف، كافر مات على كفره، فهذا مخلد في النار بإجماع، ومؤمن محسن لم يذنب قطّ ومات على ذلك، فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من الله تعالى بإجماع، وتائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة، ومذنب مات قبل توبته، فهذا موضع الخلاف، فقالت المرجئة: هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته، وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار، وآيات الوعد عامة في المؤمنين، تقيّهم وعاصيهم. وقالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد، وقالت الخوارج:
إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له، لأنهم يرون كل الذنوب كبائر، وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن المحسن الذي لم يعص قط، والمؤمن التائب، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفارا أو مؤمنين، وقال أهل السنة وأحق: آيات الوعد ظاهرة العموم، وآيات الوعيد ظاهرة العموم، ولا يصح نفوذ كلها لوجهه بسبب تعارضها، كقوله تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل: ١٥- ١٦] ، وهذه الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والوعيد وقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ [الجن: ٢٣] فلا بد أن نقول: إن آيات الوعد لفظها لفظ عموم، والمراد بها الخصوص في المؤمن المحسن، وفي التائب، وفيمن سبق في علمه تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة، وأن آيات الوعيد لفظها عموم، والمراد بها الخصوص في الكفرة وفيمن سبق في علمه تعالى أنه يعذبه من العصاة، وتحكم بقولنا: هذه الآية النص في موضع النزاع، وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فإنها جلت الشك وردت على الطائفتين، المرجئة والمعتزلة، وذلك أن قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فصل مجمع عليه، وقوله: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ فصل قاطع بالمعتزلة راد على قولهم ردا لا محيد عنه، ولو وقفنا في هذا الموضع من الكلام لصح قول المرجئة، فجاء قوله لِمَنْ يَشاءُ رادا عليهم، موجبا أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم، بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن.
قال القاضي أبو محمد: ورامت المعتزلة أن ترد هذه الآية إلى قولها، بأن قالوا:«من يشاء» هو التائب، وما أرادوه فاسد، لأن فائدة التقسيم في الآية كانت تبطل، إذا التائب من الشرك يغفر له.
قال القاضي أبو محمد: ورامت المرجئة أن ترد الآية إلى قولها، بأن قالوا: لِمَنْ يَشاءُ معناه:
يشاء أن يؤمن، لا يشاء أن يغفر له. فالمشيئة معلقة بالإيمان ممن يؤمن، لا بغفران الله لمن يغفر له، ويرد ذلك بأن الآية تقتضي على هذا التأويل أن قوله: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ عام في كافر ومؤمن، فإذا خصص المؤمنون بقوله لِمَنْ يَشاءُ وجب أن الكافرين لا يغفر لهم ما دون ذلك، ويجازون به.