قالت فرقة: ما شرطية، ودخلت مِنْ بعدها لأن الشرط ليس بواجب فأشبه النفي الذي تدخله مِنْ، وقالت فرقة ما بمعنى الذي، ومِنْ لبيان الجنس، لأن المصيب للإنسان أشياء كثيرة: حسنة وسيئة، ورخاء وشدة، وغير ذلك، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وغيره داخل في المعنى، وقيل:
الخطاب للمرء على الجملة، ومعنى هذه الآية عند ابن عباس وقتادة والحسن والربيع وابن زيد وأبي صالح وغيرهم، القطع واستئناف الإخبار من الله تعالى، بأن الحسنة منه وبفضله، والسيئة من الإنسان بإذنابه، وهي من الله بالخلق والاختراع، وفي مصحف ابن مسعود، «فمن نفسك»«وأنا قضيتها عليك» وقرأ بها ابن عباس، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود «وأنا كتبتها» وروي أن أبيا وابن مسعود قرأ «وأنا قدرتها عليك» ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي عليه السلام معناها، أن ما يصيب ابن آدم من المصائب، فإنما هي عقوبة ذنوبه. ومن ذلك أن أبا بكر الصديق لما نزلت مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء: ١٢٣] جزع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألست تمرض؟ ألست تسقم؟ ألست تغتم؟
وقال أيضا عليه السلام:«ما يصيب الرجل خدشة عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر» . ففي هذا بيان أو تلك كلها مجازاة على ما يقع من الإنسان، وقالت طائفة: معنى الآية كمعنى التي قبلها في قوله: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء: ٧٨] على تقدير حذف يقولون، فتقديره فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا، يقولون: ما أصابك من حسنة، ويجيء القطع على هذا القول من قوله: وَأَرْسَلْناكَ، وقالت طائفة: بل القطع في الآية من أولها، والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله، وتقدير ما بعده وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، على جهة الإنكار والتقرير، فعلى هذه المقالة ألف الاستفهام محذوقة من الكلام، وحكى هذا القول المهدوي، ورَسُولًا نصب على الحال، وهي حال تتضمن معنى التأكيد في قوله تعالى، وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ثم تلاه بقوله: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً توعد للكفرة، وتهديد تقتضيه قوة الكلام، لأن المعنى شهيدا على من كذبه.
والمعنى أن الرسول إنما يأمر وينهى بيانا من الله وتبليغا، فإنما هي أوامر الله ونواهيه، وقالت فرقة:
سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أحبني فقد أحب الله» ، فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة، وقالوا: هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده، وهو في هذا القول مدّع للربوبية، فنزلت هذه الآية تصديقا للرسول عليه السلام، وتبيينا لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى، وتَوَلَّى معناه أعرض، وأصل تَوَلَّى في المعنى أن يتعدى بحرف، فنقول تولى فلان عن الإيمان، وتولى إلى الإيمان، لأن اللفظة تتضمن إقبالا وإدبارا، لكن الاستعمال غلب عليها في كلام العرب على الإعراض والإدبار، حتى استغني فيها عن ذكر الحرف الذي يتضمنه، وحَفِيظاً يحتمل معنيين، أي ليحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه، أو ليحفظ مساوئهم وذنوبهم ويحسبها عليهم، وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له، وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقا من الله تعالى حتى يستحكم أمر الإسلام.
وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ طاعَةٌ الآية نزلت في المنافقين باتفاق من المفسرين، المعنى يقولون لك