العلماء في لفظة أُوتُوا فقالت فرقة إنما أحلت لنا ذبائح بني إسرائيل والنصارى الصرحاء الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل، فمنعت هذه الفرقة ذبائح نصارى بني تغلب من العرب وذبائح كل دخيل في هذين الدينين وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب ويقول لأنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر.
قال القاضي أبو محمد: فهذا ليس بنهي عن ذبائح النصارى المحققين منهم، وقال جمهور الأمة ابن عباس والحسن وعكرمة وابن المسيب والشعبي وعطاء وابن شهاب والحكم وحماد وقتادة ومالك رحمه الله وغيرهم: إن ذبيحة كل نصراني حلال سواء كان من بني تغلب أو غيرهم، وكذلك اليهود وتأولوا قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: ٥١] وقوله تعالى: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي ذبائحكم، فهذه رخصة للمسلمين لا لأهل الكتاب لما كان الأمر يقتضي أن شيئا قد تشرعنا فيه بالتذكية ينبغي لنا أن نحميه منهم ورخص الله تعالى في ذلك رفعا للمشقة بحسب التجاوز، وقوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ عطف على الطعام المحلل، والإحصان في كلام العرب وفي تصريف الشرع مأخوذ من المنعة ومنه الحصن، وهو مترتب بأربعة أشياء: الإسلام والعفة والنكاح والحرية، فيمتنع في هذا الموضع أن يكون الإسلام لأنه قد نص أنهن من أهل الكتاب ويمتنع أن يكون النكاح لأن ذات الزوج لا تحل، ولم يبق إلا الحرية والعفة فاللفظة تحتملهما، واختلف أهل العلم بحسب هذا الاحتمال فقال مالك رحمه الله ومجاهد وعمر بن الخطاب وجماعة من أهل العلم «المحصنات» في هذه الآية الحرائر فمنعوا نكاح الأمة الكتابية، وقالت جماعة من أهل العلم:«المحصنات» في هذه الآية العفائف، منهم مجاهد أيضا والشعبي وغيرهم فجوزوا نكاح الأمة الكتابية وبه قال سفيان والسدي، وقال الشعبي: إحصان الذمية ألا تزني وأن تغتسل من الجنابة، وقال أبو ميسرة: مملوكات أهل الكتاب بمنزلة حرائرهن العفائف منهن حلال نكاحهن.
قال القاضي أبو محمد: ومنع بعض العلماء زواج غير العفيفة بهذه الآية، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا اطلع الرجل من امرأته على فاحشة فليفارقها. وفرق ابن عباس بين نساء أهل الحرب ونساء أهل الذمة فقال: من أهل الكتاب من يحل لنا وهم كل من أعطى الجزية، ومنهم من لا يحل لنا وهم أهل الحرب، وكره مالك رحمه الله نكاح نساء أهل الحرب مخافة ضياع الولد أو تغير دينه، والأجور في هذه الآية المهور، وانتزع أهل العلم لفظة آتَيْتُمُوهُنَّ أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل من المهر ما يستحلها به، ومن جوز أن يدخل دون أن يبذل ذلك فرأى أنه بحكم الارتباط والالتزام في حكم الموتى، ومُحْصِنِينَ معناه متزوجين على السنة، والإحصان في هذا الموضع هو بالنكاح، والمسافح المزاني، والسفاح الزنى، والمسافحة هي المرأة التي لا ترد يد لامس وتزني مع كل أحد وهن أصحاب الرايات في الجاهلية، والمخادنة أن يكون الزانيان قد وقف كل واحد نفسه على صاحبه، وقد تقدم نظير هذه الآية وفسر بأوعب من هذا، وقوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ يحتمل أن يكون المعنى على أن الكفر هو بنفس الإيمان، وفي هذا مجاز واستعارة لأن الإيمان لا يتصور كفر به إنما الكفر بالأمور التي حقها أن يقع الإيمان بها، وباقي الآية بين.