قوله تعالى: وَإِذا نادَيْتُمْ الآية إنحاء على اليهود وتبيين لسوء فعلهم فإنهم كانوا إذا سمعوا قيام المؤمنين إلى الصلاة قال بعضهم لبعض، قد قاموا لا قاموا، إلى غير هذا من الألفاظ التي يستخفون بها في وقت الأذان وغيره، وكل ما ذكر من ذلك فهو مثال، وقد ذكر السدي أنه كان رجل من النصارى بالمدينة فكان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله، قال حرق الله الكاذب، فما زال كذلك حتى سقط مصباح في بيته ليلة فأحرقه واحترق النصراني لعنه الله، ثم ذكر تعالى أن فعلهم هذا إنما هو لعدم عقولهم، وإنما عدموها إذ لم تتصرف كما ينبغي بها، فكأنها لم توجد.
ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لأهل الكتاب هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا ومعناه هل تعدون علينا ذنبا أو نقيصة، يقال «نقم» بفتح القاف ينقم بكسرها، وعلى هذه اللغة قراءة الجمهور، ويقال «نقم» بكسر القاف ينقم بفتحها وعلى هذه اللغة قرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو البرهسم والنخعي، وهذه الآية من المحاورة البليغة الوجيزة، ومثلها قوله تعالى: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ، إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ [البروج: ٨] ونظير هذا الغرض في الاستثناء قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وقرأ الجمهور «أنزل» بضم الهمزة، وكذلك في الثاني، وقرأ أبو نهيك «أنزل» بفتح الهمزة والزاي فيهما، وقوله تعالى: وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ هو عند أكثر المتأولين معطوف على قوله: أَنْ آمَنَّا فيدخل كونهم فاسقين فيما نقموه، وهذا لا يتجه معناه، وروي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال في ذلك بفسقهم نقموا علينا الإيمان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الكلام صحيح في نفسه لكنه غير مغن في تقويم معنى الألفاظ، وإنما يتجه على أن يكون معنى المحاورة هل تنقمون منا إلا عموم هذه الحال من إنا مؤمنون وأنتم فاسقون، ويكون وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ مما قرره المخاطب لهم، وهذا كما تقول لمن تخاصمه هل تنقم مني إلا أن صدقت أنا وكذبت أنت، وهو لا يقر بأنه كاذب ولا ينقم ذلك، لكن معنى كلامك: هل تنقم إلا مجموع هذه الحال، وقال بعض المتأولين قوله: وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ معطوف على ما، كأنه قال إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وبكتبه وبأن أكثركم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مستقيم المعنى، لأن إيمان المؤمنين بأن أهل الكتاب المستمرين على الكفر بمحمد فسقة هو مما ينقمونه، وذكر تعالى الأكثر منهم من حيث فيهم من آمن واهتدى.
وقوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ قرأ الجمهور بفتح النون وشد الباء، وقرأ ابن وثاب والنخعي «أنبئكم» بسكون النون وتخفيف الباء من أنبأ وقرأ أكثر الناس: «مثوبة» بضم الثاء وسكون الواو، وقرأ ابن