في حين واحد ولا يجزىء في شيء من ذلك ذمي وإن أطعم صبي فيعطى حظ كبير، ولا يجوز أن يطعم عبد ولا ذو رحم تلزم نفقته، فإن كان ممن لا تلزم المكفر نفقته فقد قال مالك لا يعجبني أن يطعمه، ولكن إن فعل وكان فقيرا أجزأه، ولا يجوز أن يطعم منها غني، وإن أطعم جهلا بغناه ففي المدونة وغير كتاب أنه لا يجزىء وفي الأسدية أنه يجزىء واختلف الناس في معنى قوله مِنْ أَوْسَطِ فرأى مالك رحمه الله وجماعة معه هذا التوسط في القدر، ورأى ذلك جماعة في الصنف، والوجه أن يعم بلفظ الوسط القدر والصنف.
فرأى مالك أن يطعم المسكين بالمدينة مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك رطل وثلث من دقيق، وهذا لضيق المعيشة بالمدينة، ورأى في غيرها أن يتوسع ولذلك استحسن الغداء والعشاء. وأفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث، قال ابن المواز: ومد وثلث وسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء، قال ابن حبيب: ولا يجزىء الخبز قفارا ولكن بأدام زيت أو لبن أو لحم أو نحوه، وفي شرح ابن مزين أن الخبز القفار يجزىء، ورأى من يقول إن التوسط إنما هو في الصنف أن يكون الرجل المكفر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد وينحط عن الأعلى ويكفر بالوسط من ذلك، ومذهب المدونة أن يراعي المكفر عيش البلد، وفي كتاب ابن المواز أن المراعى عيشه في أهله الخاص به، وكأن الآية على التأويل الأول معناها من أوسط ما تطعمون أيها الناس أهليكم في الجملة من مدينة أو صقع، وعلى التأويل الثاني معناها من أوسط ما يطعم شخص أهله. وقرأ الجمهور «أهليكم» وهو جمع أهل على السلامة وقرأ جعفر بن محمد «من أوسط ما تطعمون أهاليكم» ، وهذا جمع مكسر قال أبو الفتح «أهال» بمنزلة ليال، كأن واحدها أهلاة وليلاة، والعرب تقول أهل وأهلة ومنه قول الشاعر:
وأهلة ود قد تبريت ودهم
ويقال ليلة وليلاة وأنشد ابن الأعرابي:
في كل ما يوم وكل ليلاه ... حتى يقول من رآه إذ رآه
يا ويحه من جمل ما أشقاه
وقرأ الجمهور «أو كسوتهم» بكسر الكاف يراد به كسوة الثياب وقرأ سعيد بن المسيب وأبو عبد الرحمن وإبراهيم النخعي «أو كسوتهم» بضم الكاف، وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميفع اليماني «أو كأسوتهم» من الأسوة قال أبو الفتح كأنه قال أو بما يكفي مثلهم فهو على حذف المضاف بتقدير أو ككفاية أسوتهم، قال وإن شئت جعلت الأسوة هي الكفاية فلم تحتج إلى حذف مضاف.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، والقراءة مخالفة لخط المصحف، ومعناها على خلاف ما تأول أهل العلم من أن الحانث في اليمين بالله مخير في الإطعام أو الكسوة أو العتق، والعلماء على أن العتق أفضل ذلك ثم الكسوة ثم الإطعام وبدأ الله تعالى عباده بالأيسر فالأيسر، ورب مدة ومسغبة يكون فيها الإطعام أفضل من العتق لكن ذلك شاذ وغير معهود والحكم للأغلب، واختلف العلماء في حد الكسوة فراعى على قوم نفس اللفظ فإذا كان الحانث المكفر كاسيا والمسكين مكسوا حصل الإجزاء، وهذه رتبة