للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقهاء، وذكر الطبري رحمه الله أن هذا التحالف الذي في الآية إنما هو بحسب التداعي، وذلك أن الشاهدين الأولين إنما يحلفان إن ارتيب وإذا ارتيب فقد ترتبت عليهما دعوى فلتزمهما اليمين، لكن هذا الارتياب إنما يكون في خيانة منهما، فإن عثر بعد ذلك على أنهما استحقا إثما نظر، فإن كان الأمر بينا غرما دون يمين وليين، وإن كان بشاهد واحد أو بدلا بل تقتضي خيانتهما أو ما أشبه ذلك مما هو كالشاهد حمل على الظالم وحلف المدعيان مع ما قام لهما من شاهد أو دليل.

قال القاضي أبو محمد: فهذا هو الاختلاف في معنى الآية وصورة حكمهما، ولنرجع الآن إلى الإعراب والكلام على لفظة لفظة من الآية، ولنقصد القول المفيد لأن الناس خلطوا في تفسير هذه الآية تخليطا شديدا، وذكر ذلك والرد عليه يطول، وفي تبيين الحق الذي تتلقاه الأذهان بالقبول مقنع، والله المستعان، قوله شَهادَةُ بَيْنِكُمْ قال قوم الشهادة هنا بمعنى الحضور، وقال الطبري: الشهادة بمعنى اليمين وليست بالتي تؤدى.

قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، والصواب أنها الشهادة التي تحفظ لتؤدى، ورفعهما بالابتداء والخبر في قوله اثْنانِ قال أبو علي: التقدير شهادة بينكم في وصاياكم شهادة اثنين، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وقدره غيره أولا كأنه قال مقيم شهادة بينكم اثنان، وأضيفت الشهادة إلى «بين» اتساعا في الظرف بأن يعامل معاملة الأسماء، كما قال تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام: ٩٤] وقرأ الأعرج والشعبي والحسن «شهادة» بالتنوين «بينكم» بالنصب، وإعراب هذه القراءة على نحو إعراب قراة السبعة وروي عن الأعرج وأبي حيوة «شهادة» بالنصب والتنوين «بينكم» نصب، قال أبو الفتح: التقدير ليقم شهادة بينكم اثنان، وقوله تعالى: إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ معناه إذا قرب الحضور، وإلا فإذا حضر الموت لم يشهد ميت، وهذا كقوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل: ٩٨] وكقوله إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ [الطلاق: ١] وهذا كثير، والعامل في إِذا المصدر الذي هو شَهادَةُ، وهذا على أن تجعل إِذا بمنزلة حين لا تحتاج إلى جواب، ولك أن تجعل إِذا في هذه الآية المحتاجة إلى الجواب، لكن استغني عن جوابها بما تقدم في قوله شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذ المعنى إذا حضر أحدكم الموت فينبغي أن يشهد، وقوله حِينَ الْوَصِيَّةِ ظرف زمان، والعامل فيه حَضَرَ، وإن شئت جعلته بدلا من إِذا، قال أبو علي:

ولك أن تعلقه ب الْمَوْتُ لا يجوز أن تعمل فيه شَهادَةُ لأنها إذا عملت في ظرف من الزمان لم تعمل في ظرف آخر منه، وقوله ذَوا عَدْلٍ صفة لقوله اثنان، ومِنْكُمْ صفة أيضا بعد صفة، وقوله تعالى:

مِنْ غَيْرِكُمْ صفة لآخران، وضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ معناه سافرتم للتجارة، تقول ضربت في الأرض أي سافرت للتجارة، وضربت الأرض ذهبت فيها لقضاء حاجة الإنسان، وهذا السفر كان الذي يمكن أن يعدم المؤمن مؤمنين، فلذلك خص بالذكر لأن سفر الجهاد لا يكاد يعدم فيه مؤمنين، قال أبو علي: قوله تَحْبِسُونَهُما صفة ل آخَرانِ واعترض بين الموصوف والصفة بقوله: إن أنتم إلى الموت، وأفاد الاعتراض أن العدول إلى آخَرانِ من غير الملة والقرابة حسب اختلاف العلماء في ذلك إنما يكون مع ضرورة السفر وحلول الموت فيه، واستغني عن جواب إِنْ لما تقدم من قوله أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>