لا شركة لهم في الحقيقة بين الأصنام وبين شيء وإنما وقع عليها اسم الشريك بمجرد تسمية الكفرة فأضيفت إليهم لهذه النسبة وتَزْعُمُونَ معناه تدعون أنهم لله، والزعم القول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر كلامهم، وقد يقال زعم بمعنى ذكر دون ميل إلى الكذب، وعلى هذا الحد يقول سيبويه زعم الخليل ولكن ذلك إنما يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله، وقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا الآية قرأ ابن كثير في رواية شبل عنه وعاصم في رواية حفص وابن عامر «تكن فتنتهم» برفع الفتنة وإِلَّا أَنْ قالُوا في موضع نصب على الخبر التقدير إلا قولهم، وهذا مستقيم لأنه أنث العلامة في الفعل حين أسنده إلى مؤنث وهي الفتنة، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير أيضا «تكن فتنتهم» بنصب الفتنة، واسم كان أَنْ قالُوا، وفي هذه القراءة تأنيث أَنْ قالُوا وساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى، قال أبو علي وهذا كقوله تعالى: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام: ١٦٠] فأنث الأمثال لما كانت الحسنات بالمعنى وقرأ حمزة والكسائي «يكن» بالياء «فتنتهم» بالنصب واسم كان إِلَّا أَنْ قالُوا وهذا مستقيم لأنه ذكر علامة الفعل حين أسنده إلى مذكر، قال الزهراوي وقرأت فرقة «يكن فتنتهم» برفع الفتنة، وفي هذه القراءة إسناد فعل مذكر العلامة إلى مؤنث، وجاء ذلك بالمعنى لأن الفتنة بمعنى الاختبار أو المودة في الشيء والإعجاب وقرأ أبي بن وكيع وابن مسعود والأعمش «وما كان فتنتهم» ، وقرأ طلحة بن مصرف، «ثم كان فتنتهم» والفتنة في كلام العرب لفظة مشتركة تقال بمعنى حب الشيء والإعجاب به كما تقول فتنت بكذا، وتحتمل الآية هنا هذا المعنى أي لم يكن حبهم للأصنام وإعجابهم بها واتباعهم لها لما سئلوا عنها ووقفوا على عجزها إلا التبري منها والإنكار لها، وهذا توبيخ لهم كما تقول لرجل كان يدعي مودة آخر ثم انحرف عنه وعاداه يا فلان لم تكن مودتك لفلان إلا أن شتمته وعاديته، ويقال الفتنة في كلام العرب بمعنى الاختبار، كما قال عز وجل لموسى عليه السلام: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه: ٤٠] ، وكقوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا [ص: ٣٤] وتحتمل الآية هاهنا هذا المعنى لأن سؤالهم عن الشركاء وتوقيفهم اختبار، فالمعنى ثم لم يكن اختبارنا لهم إذ لم يفد ولا أثمر، إلا إنكارهم الإشراك، وتجيء الفتنة في اللغة على معان غير هذين لا مدخل لها في الآية ومن قال إن أصل الفتنة الاختبار من فتنت الذهب في النار ثم يستعار بعد ذلك في غيره فقد أخطأ لأن الاسم لا يحكم عليه بمعنى الاستعارة حتى يقطع باستحالة حقيقته في الموضع الذي استعير له كقول ذي الرمة:[الطويل] ولفّ الثّريّا في ملاءته الفجر ونحوه، والفتنة لا يستحيل أن تكون حقيقة في كل موضع قيلت عليه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر والله «ربّنا» خفض على النعت لاسم الله، وقرأ حمزة والكسائي «ربّنا» نصب على النداء. ويجوز فيه تقدير المدح، وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين «والله ربّنا» برفع الاسمين وهذا على تقدير تقديم وتأخير كأنهم قالوا ما كنا مشركين والله ربنا، وما كُنَّا مُشْرِكِينَ معناه جحود إشراكهم في الدنيا، فروي أنهم إذا رأوا إخراج من في النار من أهل الإيمان ضجوا فيوقفون ويقال لهم أين شركاؤكم فينكرون طماعية منهم أن يفعل بهم ما فعل بأهل الإيمان. وأتى رجل ابن عباس فقال: سمعت الله يقول: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وفي أخرى وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء: ٤٢]