ونفي الشعور مذمة بالغة إذ البهائم تشعر وتحس، فإذا قلت لا يشعر فقد نفيت عنه العلم النفي العام الذي يقتضي أنه لا يعلم ولا المحسوسات.
قال القاضي أبو محمد: وقرأ الحسن «وينون عنه» ألقيت حركة الهمزة على النون على التسهيل القياسي، وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ الآية المخاطبة فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجواب لَوْ محذوف، تقديره في آخر هذه الآية لرأيت هولا أو مشقات أو نحو هذا، وحذف جوابها في مثل هذا أبلغ لأن المخاطب يترك مع غاية تخيله، ووقعت إِذْ في موضع إذا التي هي لما يستقبل وجاز ذلك لأن الأمر المتيقن وقوعه يعبر عنه كما يعبر عن الماضي الوقوع، ووُقِفُوا معناه: حبسوا، ولفظ هذا الفعل متعديا وغير متعد سواء، تقول: وقفت أنا ووقفت غيري، وقال الزهراوي: وقد فرق بينهما بالمصدر ففي المتعدي وقفته وقفا وفي غير المتعدي وقفت وقوفا، قال أبو عمرو بن العلاء: لم أسمع في شيء من كلام العرب أوقفت فلانا إلا أني لو لقيت رجلا واقفا فقلت له ما أوقفك هاهنا لكان عندي حسنا، ويحتمل قوله:
وُقِفُوا عَلَى النَّارِ أن يكون دخلوها، فكان وقوفهم عليها أي فيها، قاله الطبري، ويحتمل أن يكون أشرفوا عليها وعاينوها، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر:«ولا نكذب» و «نكون» بالرفع في كلها، وذلك على نية الاستئناف والقطع في قوله «ولا نكذب ونكون» أي يا ليتنا نرد ونحن على كل حال لا نكذب ونكون، فأخبروا أنفسهم بهذا ولهذا الإخبار صح تكذيبهم بعد هذا، ورجح هذا سيبويه ومثله بقولك دعني ولا أعود أي وأنا لا أعود على كل حال، ويخرج ذلك على قول آخر وهو أن يكون «ولا نكذب ونكون» داخلا في التمني على حد ما دخلت فيه نرد، كأنهم قالوا: يا ليتنا نرد وليتنا لا نكذب وليتنا نكون، ويعترض هذا التأويل بأن من تمنى شيئا لا يقال إنه كاذب وإنما يكذب من أخبر.
قال القاضي أبو محمد: وينفصل عن هذا الاعتراض بأن يكون قوله وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الأنعام: ٢٨] حكاية عن حالهم في الدنيا كلاما مقطوعا مما قبله وبوجه آخر وهو أن المتمني إذا كانت سجيته وطريقته مخالفة لما تمنى بعيدة منه يصح أن يقال له كذبت على تجوز، وذلك أن من تمنى شيئا فتمنيه يتضمن إخبارا أن تلك الأمنية تصلح له ويصلح لها فيقع التكذيب في ذلك الإخبار الذي يتضمنه التمني، ومثال ذلك أن يقول رجل شرير ليتني أحج وأجاهد وأقوم الليل فجائز أن يقال لهذا على تجوز كذبت أي أنت لا تصلح لهذا ولا يصلح لك، وروي عن أبي عمرو: أنه أدغم باء «نكذب في الباء التي بعدها، وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص «ولا نكذب ونكون» بنصب الفعلين، وذلك كما تنصب الفاء في جواب التمني، فالواو في ذلك والفاء بمنزلة، وهذا تقدير ذكر مصدر الفعل الأول كأنهم قالوا يا ليتنا كان لنا رد وعدم تكذيب وكون من المؤمنين، وقرأ ابن عامر في رواية هشام بن عمار عن أصحابه عن ابن عامر «ولا نكذب» بالرفع «ونكون» بالنصب، ويتوجه ذلك على ما تقدم في مصحف عبد الله بن مسعود «يا ليتنا نرد فلا نكذب بآيات ربنا ونكون» بالفاء، وفي قراءة أبي بن كعب «يا ليتنا نرد فلا نكذب بآيات ربنا أبدا ونكون» ، وحكى أبو عمرو أن في قراءة أبي «بآيات ربنا ونحن نكون» ، وقوله نُرَدُّ في هذه الأقوال كلها معناه: إلى الدنيا، وحكى الطبري تأويلا آخر وهو يا ليتنا نرد إلى الآخرة أي نبعث ونوقف على النار التي وقفنا عليها مكذبين ليت ذلك ونحن في حالة لا نكذب ونكون، فالمعنى يا ليتنا