عامر وحده «ولدار» بلام واحدة، وكذلك وقع في مصاحف الشام بإضافة الدار إلى الآخرة، وهذا نحو مسجد الجامع أي مسجد اليوم الجامع، فكذلك هذا ولدار الحياة الآخرة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «يعقلون» على إرادة الغائب، وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم:«تعقلون» على إرادة المخاطبين، وكذلك في الأعراف وفي آخر يوسف، ووافقهم أبو بكر في آخر يوسف فأما أَفَلا يَعْقِلُونَ في يس [الآية: ٦٨] فقرأه نافع وابن ذكوان: بتاء والباقون بياء، وهذه الآية تتضمن الرد على قولهم: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [الأنعام: ٢٩] وهو المقصود بها، ويصح أن يكون قوله: أَفَلا تَعْقِلُونَ على معنى فقل لهم يا محمد إذ الحال على هذه الصفة أَفَلا تَعْقِلُونَ.
وقوله تعالى:
قَدْ نَعْلَمُ الآية، قَدْ الملازم للفعل حرف يجيء مع التوقع إما عند المتكلم وإما عند السامع أو مقدرا عنده فإذا كان الفعل خالصا للاستقبال كان التوقع من المتكلم، كقولك قد يقوم زيد وقد ينزل المطر في شهر كذا إذا كان الفعل ماضيا أو فعل حال بمعنى المضي مثل آيتنا هذه، فإن التوقع ليس من المتكلم بل المتكلم موجب ما أخبر به، وإنما كان التوقع عند السامع فيخبره المتكلم بأحد المتوقعين، ونَعْلَمُ تتضمن إذا كانت من الله تعالى استمرار العلم وقدمه، فهي تعم المضي والحال والاستقبال، ودخلت «إن» للمبالغة في التأكيد، وقرأ نافع وحده «ليحزنك» من أحزن، وقرأ الباقون «ليحزنك» من حزن الرجل، وقرأ أبو رجاء «ليحزنك» بكسر اللام والزاي وجزم النون، وقرأ الأعمش أنه بفتح الهمزة «يحزنك» بغير لام، قال أبو علي الفارسي تقول العرب حزن الرجل بكسر الزاي يحزن حزنا وحزنا وحزنته أنا، وحكي عن الخليل أن قولهم حزنته ليس هو تغيير حزن على نحو دخل وأدخلته، ولكنه بمعنى جعلت فيه حزنا كما تقول كحلته ودهنته، قال الخليل ولو أردت تغيير حزن لقلت أحزنته، وحكى أبو زيد الأنصاري في كتاب خباة العرب أحزنت الرجل، قال أبو علي وحزنت الرجل أكثر استعمالا عندهم من أحزنته، فمن قرأ «ليحزنك» بضم الياء فهو على القياس في التغيير، ومن قرأ «ليحزنك» بفتح الياء وضم الزاي فهو على كثرة الاستعمال، والَّذِي يَقُولُونَ لفظ يعم جميع أقوالهم التي تتضمن الرد على النبي صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته، كقول بعضهم إنه كذاب، مفتر، ساحر، وقول بعضهم إنه مجنون مسحور، وقول بعضهم به رئي من الجن ونحو هذا وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وعاصم وحمزة لا يُكَذِّبُونَكَ بتشديد الدال وفتح الكاف، وقرأها ابن عباس وردها على قارئ عليه «يكذبونك» بضم الياء، وقال: إنهم كانوا يسمونه الأمين، وقرأ نافع والكسائي بسكون الكاف وتخفيف الذال، وقرأها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهما قراءتان مشهورتان صحيحتان، واختلف المتأولون في معناهما فقالت فرقة: هما بمعنى واحد كما تقول:
سقيت وأسقيت وقللت وأقللت وكثرت وأكثرت، وحكى الكسائي أن العرب تقول كذبت الرجل إذا نسبت الكذب إليه وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دون أن تنسبه إليه، وتقول العرب أيضا أكذبت الرجل إذا وجدته كذابا كما تقول أحمدته إذا وجدته محمودا، فالمعنى على قراءة من قرأ «يكذّبونك» بتشديد الذال أي لا تحزن «فإنهم لا يكذبونك» تكذيبا يضرك إذ لست بكاذب في حقيقتك، فتكذيبهم كلا تكذيب، ويحتمل أن يريد:«فإنهم لا يكذبونك» على جهة الإخبار عنهم أنهم لا يكذبون وأنهم يعلمون