قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: فخصص المتأولون في هذه الآيات ذكر قوم قد يمكن أن كانوا أسباب نزولها ثم هي إلى يوم القيامة تتناول من تعرض شيئا من معانيها كطليحة الأسدي والمختار بن أبي عبيد وسواهما وقرأ الجمهور «سأنزل مثل ما أنزل» بتخفيف وقرأ أبو حيوة «سأنزّل» بفتح النون وتشديد الزاي.
قوله عز وجل: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ الآية، جواب لَوْ محذوف تقديره لرأيت عجبا أو هولا ونحو هذا وحذف هذا الجواب أبلغ من نصه لأن السامع إذا لم ينص له الجواب يترك مع غاية تخيله والظَّالِمُونَ لفظ عام لمن واقع ما تقدم ذكره وغير ذلك من أنواع الظلم الذي هو كفر و «الغمرات» جمع غمرة وهي المصيبة المبهمة المذهلة، وهي مشبهة بغمرة الماء، ومنه قول الشاعر [بشر بن أبي خازم] :
[الوافر]
ولا ينجي من الغمرات إلّا ... براكاء القتال أو الفرار
وَالْمَلائِكَةُ ملائكة قبض الروح، وباسِطُوا أَيْدِيهِمْ كناية عن مدها بالمكروه كما قال تعالى حكاية عن ابني آدم: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي [المائدة: ٢٨] .
وهذا المكروه هو لا محالة أوائل عذاب وأماراته، قال ابن عباس: يضربون وجوههم وأدبارهم، وأما البسط لمجرد قبض النفس فإنه يشترك فيه الصالحون والكفرة، وقيل إن المراد بسط الأيدي في جهنم، والغمرات كذلك لكنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، وقوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ حكاية لما تقوله الملائكة، والتقدير يقولون أخرجوا أنفسكم، ويحتمل قول الملائكة ذلك أن يريدوا فأخرجوا أنفسكم من هذه المصائب والمحن وخلصوها إن كان ما زعمتموه حقا في الدنيا، وفي ذلك توبيخ وتوقيف على سالف فعلهم القبيح، قال الحسن: هذا التوبيخ على هذا الوجه هو في جهنم، ويحتمل أن يكون ذلك على معنى الزجر والإهانة كما يقول الرجل لمن يقهره بنفسه على أمر ما أفعل كذا، لذلك الأمر الذي هو يتناوله بنفسه منه على جهة الإهانة وإدخال الرعب عليه.
وقوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ الآية، هذه حكاية عن قول الملائكة للكفرة عند قبض أرواحهم، والْهُونِ الهوان ومنه قول ذي الأصبع:[البسيط]
إليك عني فما ألمى براعية ... ترعى المخاض ولا أفضى على الهون
وقرأ عبد الله بن مسعود وعكرمة «عذاب الهوان» بالألف.
وقوله تعالى: تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ لفظ جامع لكل نوع من الكفر ولكنه يظهر منه ومن قوله وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ الإنحاء على من قرب ذكره من هؤلاء الذين ادعوا الوحي وأن ينزلوا مثل ما أنزل الله، فإنها أفعال بين فيها «قول غير الحق على الله» وبين فيها الاستكبار.