للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاء على المبالغة وقرأ الباقون: «قتلوا» بتخفيفها وما رَزَقَهُمُ اللَّهُ: هي تلك الأنعام والغلات التي توقف بغير شرع ولا مثوبة في معاد بل بالافتراء على الله والكذب وقَدْ ضَلُّوا إخبارا عنهم بالحيرة وهو من التعجيب بمنزلة قوله قَدْ خَسِرَ، وَما كانُوا يريد في هذه الفعلة ويحتمل أن يريد: وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعلة مهتدين ولكنهم زادوا بهذه الفعلة ضلالا وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ الآية هذا تنبيه على مواضع الاعتبار وأَنْشَأَ معناه خلق واخترع و «الجنة» : مأخوذة من جن إذا ستر، ومَعْرُوشاتٍ قال ابن عباس: ذلك في ثمر العنب، ومنها ما عرش وسمك ومنها ما لم يعرش وقال السدي «المعروشات» ما عرش كهيئة الكرم، وغيره البساتين وقيل: المعروش هو ما يعترشه بنو آدم من أنواع الشجر وغير المعروش ما يحدث في الجبال والصحراء ونحو ذلك وقيل: المعروش ما خلق بحائط وغير المعروش ما لم يخلق، ومُخْتَلِفاً: نصب على الحال على تقدير حصول الاختلاف في ثمرها لأنها حين الإنشاء لا ثمرة فيها فهي حال مقدرة تجيء بعد الإنشاء، ومُتَشابِهاً يريد في المنظر، وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ في المطعم قاله ابن جريج وغيره وقوله كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ نفس الإباحة وهو مضمن الإشارة إلى النعمة بذلك، ويقرأ «من ثمره» بضم الثاء وقد تقدم، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فقالت طائفة من أهل العلم: هي في الزكاة المفروضة منهم ابن عباس وأنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب وقتادة ومحمد بن الحنفية والضحاك وزيد بن أسلم وابنه، وقاله مالك بن أنس.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قول معترض بأن السورة مكية وهذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة، وحكى الزجّاج أن هذه الآية قيل فيها إنها نزلت بالمدينة، ومعترض أيضا بأنه لا زكاة فيما ذكر من الرمان وجميع ما هو في معناه، وقال ابن الحنفية أيضا وعطاء ومجاهد وغيرهم من أهل العلم:

بل قوله وَآتُوا حَقَّهُ ندب إلى إعطاء حقوق من المال غير الزكاة، والسنة أن يعطي الرجل من زرعه عند الحصاد وعند الذرو وعند تكديسه في البيدر، فإذا صفا وكال أخرج من ذلك الزكاة، وقال الربيع بن أنس حقه إباحة لقط السنبل، وقالت طائفة كان هذا حكم صدقات المسلمين حتى نزلت الزكاة المفروضة فنسختها.

وروي هذا عن ابن عباس وابن الحنفية وإبراهيم والحسن، وقال السدي في هذه السورة مكية نسختها الزكاة فقال له سفيان عمن قال عن العلماء.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والنسخ غير مترتب في هذه الآية، لأن هذه الآية وآية الزكاة لا تتعارض بل تنبني هذه على الندب وتلك على الفرض، وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي «حصاده» ، وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر «حصاده» بفتح الحاء وهما لغتان في المصدر، وقوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا الآية، من قال إن الآية في الزكاة المفروضة جعل هذا النهي عن الإسراف إما للناس عن التمنع عن أدائها لأن ذلك إسراف من الفعل وقاله سعيد بن المسيب، وإما للولاة عن التشطط على الناس والإذاية لهم فذلك إسراف من الفعل، وقاله ابن زيد، ومن جعل الآية على جهة الندب إلى حقوق غير الزكاة ترتب له النهي عن الإسراف في تلك الحقوق لما في ذلك من الإجحاف بالمال وإضاعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>