وقيل في الآية ليست لا زائدة، وإنما المعنى ما منعك فأحوجك أن تسجد، وقيل: لما كان ما مَنَعَكَ بمعنى من أمرك ومن قال لك حسن أن يقول بعدها أَلَّا تَسْجُدَ.
قال القاضي أبو محمد: وجملة هذا الغرض أن يقدر في الكلام فعل يحسن حمل النفي عليه، كأنه قال ما أحوجك أو حملك أو اضطرك، وجواب إبليس اللعين ليس عما سئل عنه ولكنه جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة عليه، فكأنه قال: منعني فضلي إذ أنا خير منه حين خلقتني من نار وخلقته من طين. وروي عن ابن عباس أنه قال: لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا، يقول إن النار أقوى من الطين وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هي في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق، فلما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلا على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق من الطين فأخطأ قياسه وذهب عليه أن الروح الذي نفخ في آدم ليس من طين، قال الطبري ذهب عليه ما في النار من الطيش والخفة والاضطراب، وفي الطين من الوقار والأناة والحمل والتثبت.
قال القاضي أبو محمد: وفي كلام الطبري نظر، وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس.
قال القاضي أبو محمد: قال الطبري يعنيان الخطأ ولا دليل من لفظهما عليه ولا يتأول عليهما إنكار القياس، وإنما خرج كلامهما نهيا عما كان في زمنهما من مقاييس الخوارج وغيرهم، فأرادا حمل الناس على الجادة.
وقوله تعالى: فَاهْبِطْ مِنْها الآية، أمر من الله عز وجل لإبليس بالهبوط في وقت عصيانه في السجود، فيظهر من هذا أنه إنما أهبط أولا وأخرج من الجنة وصار في السماء، لأن الأخبار تظاهرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر آخرا بالهبوط من السماء مع آدم وحواء والحية.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله بحسب ألفاظ القصة والله أعلم. وقوله: فَما يَكُونُ لَكَ معناه فما يصح لك ولا يتم، وليس يقتضي هذا اللفظ أن التكبر له في غيرها على ما ذهب إليه بعض المعترضين، تضمنت الآية أن الله أخبر إبليس أن الكبرياء لا يتم له ولا يصح في الجنة مع نهيه له ولغيره عن الكبرياء في كل موضع وأما لو أخذنا فَما يَكُونُ على معنى فما يحسن وما يجمل كما تقول للرجل ما كان لك أن لا تصل قرابتك لغير معنى الإغلاظ على إبليس. وقوله: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ حكم عليه بضد المعصية التي عصى بها وهي الكبرياء فعوقب بالحمل عليه بخلاف شهوته وأمله، والصغار الذل قاله السدي.
ثم سأل إبليس ربه أن يؤخره إلى يوم البعث طمع أن لا يموت، إذ علم أن الموت ينقطع بعد البعث ومعنى أَنْظِرْنِي أخرني فأعطاه الله النظرة إلى يوم الوقت المعلوم، فقال أكثر الناس الوقت المعلوم هو النفخة الأولى في الصور التي يصعق لها من في السماوات ومن في الأرض من المخلوقين، وقالت فرقة بل أحاله على وقت معلوم عنده عز وجل يريد به يوم موت إبليس وحضور أجله دون أن يعين له ذلك، وإنما تركه في عماء الجهل به ليغمه ذلك ما عاش.