فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب
والوجه الثاني أن تكون بمعنى صار وعاملة عملها ولا تتضمن أن الحال قد كانت متقدمة. ومن هذه قول الشاعر:[البسيط]
تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
ومنه قول الآخر:[الرجز] وعاد رأسي كالثغامة ومنه قوله تعالى: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس: ٣٩] على أن هذه محتملة، فقوله في الآية أو لَتَعُودُنَّ وشُعَيْبُ عليه السلام لم يكن قط كافرا يقتضي أنها بمعنى صار، وأما في جهة المؤمنين بعد كفرهم فيترتب المعنى الآخر ويخرج عنه «شعيب» إلا أن يريدوا عودته إلى حال سكوته قبل أن يبعث، وقوله أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ توقيف منه لهم على شنعة المعصية وطلب أن يقروا بألسنتهم بإكراه المؤمنين بالله على الإخراج ظلما وغشما.
والظاهر في قوله: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ أنه خبر منه أي لقد كنا نواقع عظيما ونفتري على الله الكذب في الرجوع إلى الكفر، ويحتمل أن يكون على جهة القسم الذي هو في صيغة الدعاء، مثل قول الشاعر: بقيت وفري.
وكما تقول «افتريت على الله» إن كلمت فلانا، وافْتَرَيْنا معناه شققنا بالقول واختلفنا. ومنه قول عائشة: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ونجاة «شعيب» من ملتهم كانت منذ أول أمره، ونجاة من آمن معه كانت بعد مواقعة الكفر، وقوله: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يحتمل أن يريد إلا أن يسبق علينا من الله في ذلك سابق وسوء وينفذ منه قضاء لا يرد.
قال القاضي أبو محمد: والمؤمنون هم المجوزون لذلك وشعيب قد عصمته النبوة، وهذا أظهر ما يحتمل القول، ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما يفعله الكفار من القربات، فلما قال لهم: إنا لا نعود في ملتكم ثم خشي أن يتعبد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ويقول: هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله تعالى فيما يمكن أن يتعبد به ويحتمل أن يريد بذلك معنى الاستبعاد كما تقول: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط، وقد علم امتناع ذلك فهو إحالة على مستحيل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل إنما هو للمعتزلة الذين من مذهبهم أن الكفر والإيمان ليسا