"إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها وما أكرهوا عليه إلا أن يتكلموا به أو يعملوا به". ثم قال البيهقي: كذا قال عن أبي هريرة، والظاهر أن عطاء سمعه من الوجهين جميعًا، وهما حديثان يؤدي كل واحد منهما ما قصد به من المعنى، وفيهما جميعًا طرح الإكراه. وهذا تعليق ثالث على حديث ابن عباس في إطار تعليقه على الحديثين معًا. إنه يريد ليقول: • إن حديثي ابن عباس وأبي هريرة المتصلين مقبولان، وبشر بن بكر الذي جود إسناد حديث ابن عباس به، معنا في الوجوه المتصلة. • معنى هذا أن حديث ابن عباس المتصل - هنا - جيد الإسناد. • أن عطاء الذي روى عن ابن عباس هو هو الذي روى عن أبي هريرة وأن هاتين الروايتين تضافر كل منهما الأخرى؛ وقد استظهر البيهقي أن يكون عطاء قد سمعه على الوجهين. • وإذا كان الأمر كذلك، ورواة الإسنادين مقبولون من البيهقي في مستوى الجودة؛ فكل من الروايتين تشتد بها الأخرى - خاصة في جزئية رفع الإكراه. • إن هذه الدراسة التحليلية من البيهقي لحديثي ابن عباس، وأبي هريرة - تؤكد مدى قبول البيهقي لكل من الحديثين فيما يشير إليه من جزئيات. فكيف يقال بعد هذا وذاك إن البيهقي حكى أن هذا الحديث ليس له إسناد يصح؟! ولئن صح إنه حكى ذلك فلماذا لم يرد على هذا الذي حكاه بهذا الذي حكيناه نحن عنه؟! (١) الذي في صحيح مسلم: - كتاب الإيمان: ٥٧ - باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق ١/ ١١٦ ح ٢٠٠ - (١٢٦) من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [سورة البقرة: ٢٨٤] قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا" قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: قد فعلت. {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: قد فعلت {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} قال: قد فعلت [سورة البقرة: ٢٨٦]. وإذًا فقد اختصر ابن رجب: النَّصَّ عن مسلم اختصارًا أدَّى إلى أن يَرْوِيَ حديثَ مسلم بمعنى شطر منه. ولهذا روينا النص بسياقه كاملًا؛ حتى يتضح سياقه ومساقه. (٢) هذا معطوف على قوله: عن سعيد بن جبير، أي أن هذا مما رواه مسلم في صحيحه أيضًا. وهو كما قال فقد رواه مسلم في الموضع السابق، قبل الحديث السابق لكن بسياقه كاملًا أيضًا. (٣) كيف وهذا هو نص رواية مسلم للحديث من رواية العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة؛ قال: لما نزلت على =