للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِيَمِينِهِ

حقيقة في أن في يوم القيامة صحائف تتطاير وتوضع في الأيمان لأهل الإيمان، وفي الشمائل لأهل الكفر، وتوضع في أيمان المذنبين الذين ينفذ عليهم الوعيد، فسيستفيدون منها أنهم غير مخلدين في النار، وقوله يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ عبارة عن السرور بها أي يرددنها ويتأملونها، وقوله وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا أقل ولا أكثر، فهذا هو مفهوم الخطاب حكم المسكوت عنه كحكم المذكور. كقوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ، [الإسراء: ٢٣] وكقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [النساء: ٤٠] وهذا كثير ومعنى الآية: أنهم لا يبخسون من جزاء أعمالهم الصالحة شيئا، و «الفتيل» هو الخيط الذي في شق نواة التمرة يضرب به المثل في القلة وتفاهة القدر، وقوله وَمَنْ كانَ، الآية، قال محمد بن أبي موسى: الإشارة بهذه إلى النعم التي ذكرها في قوله وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ أي من عمي عن شكر هذه النعم والإيمان لمسديها، فهو في أمور الآخرة وشأنها أَعْمى.

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أَعْمى الثاني أن يكون بمنزلة الأول، على أنه تشبيه بأعمى البصر، ويحتمل أن يكون صفة تفضيل، أي أشد عمى، والعمى في هذه الآية هو عمى القلب في الأول والثاني، وقال ابن عباس ومجاهد قتادة وابن زيد: الإشارة بهذه إلى الدنيا، أي من كان في هذه الدار أعمى عن النظر في آيات الله وعبره والإيمان بأنبيائه، فهو في الآخرة أعمى إما أن يكون على حذف مضاف، أي في شأن الآخرة، وإما أن يكون: فهو في يوم القيامة أعمى، على معنى أنه حيران، لا يتوجه له صواب، ولا يلوح له نجح، قال مجاهد «فهو في الآخرة أعمى» عن حجته.

قال القاضي أبو محمد: والظاهر عندي أن الإشارة ب هذِهِ إلى الدنيا، أي من كان في دنياه هذه ووقت إدراكه وفهمه أعمى عن النظر في آيات الله، فهو في يوم القيامة أشد حيرة وأعمى، لأنه قد باشر الخيبة، ورأى مخايل العذاب، وبهذا التأويل، تكون معادلة للتي قبلها، من ذكر من يؤتى كتابه بيمينه، وإذا جعلنا قوله فِي الْآخِرَةِ بمعنى في شأن الآخرة، لم تطرد المعادلة بين الآيتين. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: «أعمى» في الموضعين، بغير إمالة، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم بخلاف عنه في الموضعين بإمالة، وقرأ أبو عمرو بإمالة الأول وفتح الثاني، وتأوله بمعنى أشد عمى، ولذلك لم يمله، قال أبو علي: لأن الإمالة إنما تحسن في الأواخر، وأَعْمى ليس كذلك لأن تقديره أعمى من كذا، فليس يتم إلا في قولنا من كذا، فهو إذا ليس بآخر، ويقوي هذا التأويل قوله عطفا عليه وَأَضَلُّ سَبِيلًا فإنما عطف أَضَلُّ الذي هو أفعل من كذا على ما هو شبيه به، وإنما جعله في الآخرة أَضَلُّ سَبِيلًا، لأن الكافر في الدنيا يمكن أن يؤمن فينجو، وهو في الآخرة، لا يمكنه ذلك، فهو أَضَلُّ سَبِيلًا، وأشد حيرة، وأقرب إلى العذاب، وقول سيبويه رحمه الله: لا يقال أعمى من كذا كما يقال ما أبداه، إنما هو في عمى العين الذي لا تفاضل فيه، وأما في عمى القلب فيقال ذلك لأنه يقع فيه التفاضل، وذكر مكي في هذه الآية، أن العمى الأول هو عمى العين عن الهدى وهذا بين الاختلال، والله المعين. وقوله وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ الآية، إِنْ هذه عند سيبويه هي المخففة من الثقيلة، واللام في قوله لَيَفْتِنُونَكَ لام تأكيد، وإِنْ هذه عند الفراء بمعنى ما، واللام بمعنى إلا والضمير في قوله كادُوا قيل هو لقريش وقيل لثقيف، فأما لقريش، فقال ابن جبير ومجاهد: نزلت الآية لأنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا

<<  <  ج: ص:  >  >>