ندعك تستلم الحجر الأسود حتى تمس أيضا أوثاننا على معنى التشرع بذلك، قال الطبري وغيره: فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يظهر لهم ذلك، وقلبه منكر فنزلت الآية في ذلك قال الزجاج: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه «وما علي أن أفعل لهم ذلك والله تعالى يعلم ما في نفسي» ، وقال ابن إسحاق وغيره، إنهم اجتمعوا إليه ليلة فعظموه، وقالوا له: أنت سيدنا ولكن أقبل على بعض أمرنا ونقبل على بعض أمرك، فنزلت الآية في ذلك فهي في معنى قوله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: ٩] .
وحكى الزجاج أن الآية قيل إنها فيما أرادوه من طرد فقراء أصحابه، وأما لثقيف، فقال ابن عباس وغيره:
لأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات، وقالوا إنا نريد أن نأخذ ما يهدى لنا، ولكن إن خفت أن تنكر ذلك عليك العرب، فقل: أوحى الله ذلك إلي، فنزلت الآية في ذلك، ويلزم قائل هذا القول أن يجعل الآية مدنية، وقد روي ذلك، وروى قائلو الأقوال الأخر أنها مكية.
قال القاضي أبو محمد: وجميع ما أريد من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب هذا الاختلاف قد أوحى الله إليه خلافه، إما في معجز وإما في غير معجز، وفعله هو أن لو وقع افتراء على الله إذ أفعاله وأقواله إنما هي كلها شرع. وقوله وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا توقيف على ما نجاه الله منه من مخالفة الكفار والولاية لهم، وقوله لَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ الآية، تعديد نعمة على النبي صلى الله عليه وسلم، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» . و «الركون» شد الظهر إلى الأمر أو الحزم على جهة السكون إليه، كما يفعل الإنسان بالركن من الجدران ومنه قوله تعالى حكاية.
أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود: ٨٠] ، وقرأ الجمهور «تركن» بفتح الكاف، وقرأ ابن مصرف وقتادة وعبد الله بن أبي إسحاق «تركن» بضم الكاف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يركن، لكنه كاد بحسب همه بموافقتهم طمعا منه في استئلافهم، وذهب ابن الأنباري إلى أن معناه لقد كاد أن يخبروا عنك أنك ركنت، ونحو هذا ذهب في ذلك إلى نفي الهم بذلك عن النبي عليه السلام، فحمل اللفظ ما لا يحتمل، وقوله شَيْئاً قَلِيلًا يبطل ذلك، وهذا الهم من النبي عليه السلام إنما كانت خطرة مما لا يمكن دفعه، ولذلك قيل كِدْتَ، وهي تعطي أنه لم يقع ركون، ثم قيل شَيْئاً قَلِيلًا إذ كانت المقاربة التي تتضمنها كِدْتَ قليلة خطرة لم تتأكد في النفس، وهذا الهمّ هو كهمّ يوسف عليه السلام، والقول فيهما واحد وقوله إِذاً لَأَذَقْناكَ الآية، يبطل أيضا ما ذهب إليه ابن الأنباري، وقوله ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك يريد ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات.
قال القاضي أبو محمد: على معنى أن ما يستحقه هذا المذنب من عقوبتنا في الدنيا والآخرة كنا نضعفه لك، وهذا التضعيف شائع مع النبي عليه السلام في أجره، وفي ألمه وعقاب أزواجه، وباقي الآية بين.