بذلك وسكنت، وخرجت في العام المقبل، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في ذي القعدة سنة سبع، ودخلها ثلاثة أيام هو وأصحابه، وصدقت رؤياه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة ودخول الناس فيه، وما كان أيضا بمكة من المؤمنين دفع الله بهم. وقوله تعالى: مِنْ دُونِ ذلِكَ، أي من قبل ذلك وفيما يدنو إليكم.
واختلف الناس في الفتح القريب، فقال كثير من الصحابة: هو بيعة الرضوان وروي عن مجاهد وابن إسحاق. أنه الصلح بالحديبية. وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أو فتح هو يا رسول الله؟ قال: نعم. وقال ابن زيد: الفتح القريب: خيبر حسبما تقدم من ذكر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فتحها. وقال قوم: الفتح القريب: فتح مكة، وهذا ضعيف، لأن فتح مكة لم يكن من دون دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، بل كان بعد ذلك بعام، لأن الفتح كان سنة ثمان من الهجرة ويحسن أن يكون الفتح هنا اسم جنس يعم كل ما وقع مما للنبي صلى الله عليه وسلم فيه ظهور وفتح عليه. وقد حكى مكي في ترتيب أعوام هذه الأخبار عن قطرب قولا خطأ جعل فيه الفتح سنة عشر، وجعل حج أبي بكر قبل الفتح، وذلك كله تخليط وخوض فيما لم يتقنه معرفة.
وقوله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ الآية تعظيم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلام بأنه يظهره على جميع الأديان. ورأى بعض الناس لفظة: لِيُظْهِرَهُ تقتضي محو غيره به، فلذلك قالوا: إن هذا الخبر يظهر للوجود عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، فإنه لا يبقى في وقته غير دين الإسلام وهو قول الطبري والثعلبي. ورأى قوم أن الإظهار هو الإعلاء وإن بقي من الدين الآخر أجزاء، وهذا موجود الآن في دين الإسلام، فإنه قد عم أكثر الأرض وظهر على كل دين.
وقوله تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً معناه: شاهدا، وذلك يحتمل معنيين: أحدهما شاهدا عندكم بهذا الخبر ومعلما به. والثاني: شاهدا على هؤلاء الكفار المنكرين أمر محمد الرادين في صدره ومعاقبا لهم بحكم الشهادة، والآية على هذا وعيد للكفار الذين شاحوا في أن يكتب محمد رسول الله، فرد عليهم بهذه الآية كلها.
وقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قال جمهور الناس: هو ابتداء وخبر استوفي فيه تعظيم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: والَّذِينَ مَعَهُ ابتداء وخبره: أَشِدَّاءُ ورُحَماءُ خبر ثان. وقال قوم من المتأولين: مُحَمَّدٌ «ابتداء» و: رَسُولُ اللَّهِ صفة له وَالَّذِينَ عطف عليه. و: أَشِدَّاءُ خبر عن الجميع. و: رُحَماءُ خبر بعد خبر، ففي القول الأول اختص النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه وهؤلاء بوصفهم، وفي القول الثاني اشترك الجميع في الشدة والرحمة.
قال القاضي أبو محمد: والأول عندي أرجح، لأنه خبر مضاد لقول الكفار لا نكتب محمد رسول الله.
وقوله: وَالَّذِينَ مَعَهُ إشارة إلى جميع الصحابة عند الجمهور، وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن