الإشارة إلى من شهد الحديبية: ب الَّذِينَ مَعَهُ. و: أَشِدَّاءُ جمع شديد، أصله: أشدداء، أدغم لاجتماع المثلين.
وقرأ الجمهور: «أشداء» «رحماء» بالرفع، وروى قرة عن الحسن: «أشداء» «رحماء» بنصبهما قال أبو حاتم: ذلك على الحال والخبر: تَراهُمْ. قال أبو الفتح: وإن شئت نصبت «أشداء» على المدح.
وقوله: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً، أي ترى هاتين الحالتين كثيرا فيهم. و: يَبْتَغُونَ معناه يطلبون. وقرأ عمر وابن عبيد: «ورضوانا» بضم الراء.
وقوله: سِيماهُمْ معناه: علامتهم. واختلف الناس في تعيين هذه السيما، فقال مالك بن أنس:
كانت جباههم متربة من كثرة السجود في التراب، كان يبقى على المسح أثره، وقاله عكرمة. وقال أبو العالية: يسجدون على التراب لا على الأثواب. وقال ابن عباس وخالد الحنفي وعطية: هو وعد بحالهم يوم القيامة من أن الله تعالى يجعل لهم نورا مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.
قال القاضي أبو محمد: كما يجعل غرة من أثر الوضوء الحديث، ويؤيد هذا التأويل اتصال القول بقوله: فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً كأنه قال: علامتهم في تحصيلهم الرضوان يوم القيامة: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. ويحتمل أن تكون السيما بدلا من قوله: فَضْلًا. وقال ابن عباس: السمت الحسن: هو السيما، وهو الخشوع خشوع يبدو على الوجه.
قال القاضي أبو محمد: وهذه حالة مكثري الصلاة، لأنها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وتقل الضحك وترد النفس بحالة تخشع معها الأعضاء.
وقال الحسن بن أبي الحسن وشمر بن عطية: السيما: بياض وصفرة وبهيج يعتري الوجوه من السهر. وقال منصور: سألت مجاهدا: أهذه السيما هي الأثر يكون بين عيني الرجل؟ فقال: لا، وقد تكون مثل ركبة البعير، وهو أقسى قلبا من الحجارة. وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس: السيما: حسن يعتري وجوه المصلين.
قال القاضي أبو محمد: وذلك لأن الله تعالى يجعل لها في عين الرأي حسنا تابعا للإجلال الذي في نفسه، ومتى أجل الإنسان أمرا حسن عنده منظره، ومن هذا الحديث الذي في الشهاب: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا حديث غلط فيه ثابت بن موسى الزاهد، سمع شريك بن عبد الله يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ثم نزع شريك لما رأى ثابت الزاهد فقال: يعنيه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، فظن ثابت أن هذا الكلام متركب على السند المذكور فحدث به عن شريك.
وقرأ الأعرج: «من إثر» بسكون الثاء وكسر الهمزة. قال أبو حاتم هما بمعنى. وقرأ قتادة: «من آثار» ، جمعا.