وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود:«عسوا أن يكونوا» ، «وعسين أن يكن» .
و: تَلْمِزُوا، معناه: يطعن بعضكم على بعض بذكر النقائص ونحوه، وقد يكون اللمز بالقول وبالإشارة ونحوه مما يفهمه آخر، والهمز لا يكون إلا باللسان، وهو مشبه بالهمز بالعود ونحوه مما يقتضي المماسة، قال الشاعر [رؤبة] :
ومن همزنا عزه تبركعا وقيل لأعرابي: أتهمز الفأرة؟ فقال الهر يهمزها. وحكى الثعلبي أن اللمز ما كان في المشهد والهمز ما كان في المغيب. وحكى الزهراوي عن علي بن سليمان عكّه من ذلك فقال: الهمز أن يعيب حضرة واللمز في الغيبة. ومنه قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: ١] ومنه قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ [التوبة: ٥٨] .
وقرأ الجمهور:«تلمزوا» بكسر الميم. وقرأ الأعرج والحسن:«تلمزوا» بضم الميم. قال أبو عمرو بن العلاء: هي عربية. قراءتنا بالضم وأحيانا بالكسر.
وقوله تعالى: أَنْفُسَكُمْ معناه: بعضكم بعضا كما قال: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩] كأن المؤمنين كنفس واحدة إذ هم إخوة. فهم كما قال صلى الله عليه وسلم:«كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر والحمى» وهم كما قال أيضا: «كالبنيان يشد بعضه بعضا» . والتنابز: التلقب والنبز واللقب واحد. أو اللقب: هو ما يعرف به الإنسان من الأسماء التي يكره سماعها. وروي أن بني سلمة كانوا قد كثرت فيهم الألقاب، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم فقال له: يا فلان، فقيل له:
إنه يغضب من هذا الاسم، ثم دعا آخر كذلك. فنزلت الآية في هذا. وليس من هذا قول المحدثين سليمان الأعمش. وواصل الأحدب. ونحوه مما تدعو الضرورة إليه وليس فيه قصد استخفاف وأذى. وقد قال عبد الله بن مسعود لعلقمة: وتقول أنت ذلك يا أعور. وأسند النقاش إلى عطاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنوا أولادكم؟ قال عطاء: مخافة الألقاب. وقال ابن زيد. معنى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أي لا يقول أحد لأحد: يا يهودي بعد إسلامه. ولا يا فاسق بعد توبته. ونحو هذا. وحكى النقاش أن كعب بن مالك وابن أبي حدرد تلاحيا، فقال له كعب: يا أعرابي. يريد أن يبعده من الهجرة. فقال له الآخر: يا يهودي. يريد لمخالطة الأنصار اليهود في يثرب. فنزلت الآية.
وقوله تعالى: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يحتمل معنيين: أحدهما: بئس اسم تكتسبونه بعصيانكم ونبزكم بالألقاب فتكونون فساقا بالمعصية بعد إيمانكم. والثاني: بئس ما يقول الرجل لأخيه: يا فاسق بعد إيمانه. وقال الرماني: هذه الآية تدل على أنه لا يجتمع الفسق والإيمان.
قال القاضي أبو محمد: وهذه نزعة اعتزالية ثم شدد تعالى عليهم النهي. بأن حكم بظلم من لم يتب ويقلع عن هذه الأشياء التي نهى عنها. ثم أمر تعالى المؤمنين باجتناب كثير من الظن. وأن لا يعملوا ولا يتكلموا بحسبه، لما في ذلك وفي التجسس