من التقاطع والتدابر. وحكم على بعضه بأنه إِثْمٌ: إذ بعضه ليس بإثم.. ولا يلزم اجتنابه وهو ظن الخير بالناس وحسنه بالله تعالى. والمظنون من شهادات الشهود والمظنون به من أهل الشر. فإن ذلك سقوط عدالته وغير ذلك هي من حكم الظن به. وظن الخير بالمؤمن محمود والظن المنهي عنه: هو أن تظن سوءا برجل ظاهره الصلاح. بل الواجب تنزيل الظن وحكمه وتتأول الخير. وقال بعض الناس: إِثْمٌ معناه: كذب. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. وقال بعض الناس. معنى: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ أي إذا تكلم الظان أثم. وما لم يتكلم فهو في فسحة. لأنه لا يقدر على دفع الخواطر التي يبيحها قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الحزم سوء الظن» .
قال القاضي أبو محمد: وما زال أولو العلم يحترسون من سوء الظن ويسدون ذرائعه. قال سلمان الفارسي: إني لأعد غراف قدري مخافة الظن. وذكر النقاش عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: احترسوا من الناس بسوء الظن. وكان أبو العالية يختم على بقية طعامه مخافة سوء الظن بخادمه.
وقال ابن مسعود: الأمانة خير من الخاتم. والخاتم خير من ظن السوء.
وقوله: وَلا تَجَسَّسُوا أي لا تبحثوا على مخبآت أمور الناس وادفعوا بالتي هي أحسن. واجتزوا بالظواهر الحسنة.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن سيرين والهذليون:«لا تحسسوا» بالحاء غير منقوطة. وقال بعض الناس: التجسس بالجيم في الشر. والتحسس بالحاء في الخير. وهكذا ورد القرآن، ولكن قد يتداخلان في الاستعمال. وقال أبو عمرو بن العلاء: التجسس: ما كان من وراء وراء. والتحسس بالحاء: الدخول والاستعلام. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» . وذكر الثعلبي حديث حراسة عمرو بن عوف ووجودهما الشرب في بيت ربيعة بن أمية بن خلف. وذكر أيضا حديثه في ذلك مع أبي محجن الثقفي. وقال زيد بن وهب. قيل لابن مسعود:
هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا؟ فقال: إنا نهينا عن التحسس. فإن يظهر لنا شيء أخذنا به.
وَلا يَغْتَبْ معناه: ولا يذكر أحدكم من أخيه شيئا هو فيه يكره سماعه. وروي أن عائشة قالت عن امرأة: ما رأيت أجمل منها إلا أنها قصيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«اغتبتها، نظرت إلى أسوأ ما فيها فذكرته» وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكرت ما في أخيك فقد اغتبته. وإذا ذكرت ما ليس فيه فقد بهته» . وفي حديث آخر:«الغيبة أن تذكر المؤمن بما يكره» . قيل: وإن كان حقا. قال: إذا قلت باطلا فذلك هو البهتان» . وقال معاوية بن قرة وأبو إسحاق السبيعي: إذا مر بك رجل أقطع. فقلت:
ذلك الأقطع، كان ذلك غيب. وحكى الزهراوي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الغيبة أشد من الزنا، لأن الزاني يتوب فيتوب الله عليه. والذي يغتاب يتوب فلا يتاب عليه حتى يستحل» .
قال القاضي أبو محمد: وقد يموت من اغتيب، أو يأبى.
وروي أن رجلا قال لابن سيرين: إني قد اغتبتك فحللني. فقال له ابن سيرين إني لا أحل ما حرم