للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبقى، بباء وقاف، ويروى أنفى بنون وفاء، والمعنى أن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم به ازدجر من يريد قتل أحد مخافة أن يقتص منه فحييا بذلك معا، وهذا الترتيب مما سبق لهما في الأزل، وأيضا فكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا وكان ذلك داعية إلى موت العدد الكثير، فلما شرع الله القصاص قنع الكل به ووقف عنده وتركوا الاقتتال، فلهم في ذلك حياة، وخص أُولِي الْأَلْبابِ بالذكر تنبيها عليهم، لأنهم العارفون القابلون للأوامر والنواهي، وغيرهم تبع لهم، وتَتَّقُونَ معناه القتل فتسلمون من القصاص ثم يكون ذلك داعية لأنواع التقوى في غير ذلك فإن الله تعالى يثيب على الطاعة بالطاعة، وقرأ أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي «ولكم في القصص» أي في كتاب الله الذي شرع فيه القصاص وحكمه، ويحتمل أن يكون مصدرا كالقصاص، أي إنه قص أثر القاتل قصصا فقتل كما قتل.

وقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الآية، كأن الآية متصلة بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فلذلك سقطت واو العطف، وكُتِبَ معناه فرض وأثبت، وقال بعض أهل العلم: الوصية فرض، وقال قوم: كانت فرضا ونسخت، وقال فريق: هي مندوب إليها، وكُتِبَ عامل في رفع الْوَصِيَّةُ على المفعول الذي لم يسم فاعله في بعض التقديرات، وسقطت علامة التأنيث من كُتِبَ لطول الكلام فحسن سقوطها، وقد حكى سيبوية: قام امرأة، ولكن حسن ذلك إنما هو مع طول الحائل، ولا يصح عند جمهور النحاة أن تعمل الْوَصِيَّةُ في إِذا لأنها في حكم الصلة للمصدر الذي هو الْوَصِيَّةُ، وقد تقدمت فلا يجوز أن يعمل فيها متقدمة، ويتجه في إعراب هذه الآية أن يكون كُتِبَ هو العامل في إِذا والمعنى توجه إيجاب الله عليكم ومقتضى كتابه إذا حضر، فعبر عن توجه الإيجاب ب كُتِبَ لينتظم إلى هذا المعنى أنه مكتوب في الأزل، والْوَصِيَّةُ مفعول لم يسم فاعله ب كُتِبَ وجواب الشرطين إِذا وإِنْ مقدّر، يدل عليه ما تقدم من قوله كُتِبَ عَلَيْكُمْ، كما تقول شكرت فعلك إن جئتني إذا كان كذا، ويتجه في إعرابها أن يكون التقدير: كتب عليكم الإيصاء، ويكون هذا الإيصاء المقدر الذي يدل عليه ذكر الوصية بعد هو العامل في إِذا، وترتفع الْوَصِيَّةُ بالابتداء وفيه جواب الشرطين على نحو ما أنشد سيبويه: [البسيط] من يفعل الصّالحات الله يحفظها أو يكون رفعها بالابتداء بتقدير: فعليه الوصية، أو بتقدير الفاء فقط، كأنه قيل: فالوصية للوالدين، ويتجه في إعرابها أن تكون الْوَصِيَّةُ مرتفعة ب كُتِبَ على المفعول الذي لم يسم فاعله، وتكون الْوَصِيَّةُ هي العامل في إِذا، وهذا على مذهب أبي الحسن الأخفش فإنه يجيز أن يتقدم ما في الصلة الموصول بشرطين هما في هذه الآية، أحدهما أن يكون الموصول ليس بموصول محض بل يشبه الموصول، وذلك كالألف واللام حيث توصل، أو كالمصدر، وهذا في الآية مصدر وهو الْوَصِيَّةُ، والشرط الثاني أن يكون المتقدم ظرفا فإن في الظرف يسهل الاتساع، وإِذا ظرف وهذا هو رأي أبي الحسن في قول الشاعر:

[الطويل]

تقول وصكّت وجهها بيمينها ... أبعلي هذا بالرّحا المتقاعس

<<  <  ج: ص:  >  >>