شحمة صافية حين ذابت، وقال مجاهد وسفيان: النَّجْمِ في قسم الآية الثريا، وسقوطها مع الفجر هو هويها والعرب لا تقول النجم مطلقا إلا للثريا، ومنه قول العرب [مجزوء الرمل]
طلع النجم عشاء ... فابتغى الراعي كساء
طلع النجم غدية ... فابتغى الراعي شكية
وهَوى على هذا القول يحتمل الغروب ويحتمل الانكدار، وهَوى في اللغة معناه: خرق الهوى ومقصده السفل أو مسيره إن لم يقصده إليه، ومنه قول الشاعر: [مجزوء الكامل]
هوى ابني شفا جبل ... فزلّت رجله ويده
وقول الشاعر: [الطويل]
وإن كلام المرء في غير كنهه ... لك النبل تهوي ليس فيها نصالها
وقول زهير:
هوي الدلو أسلمها الرشاء ومنه قولهم للجراد: الهاوي، ومنه هوى العقاب.
والقسم واقع على قوله: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى والضلال أبدا يكون من غير قصد من الإنسان إليه. والغي كأنه شيء يكتسبه الإنسان ويريده، نفى الله تعالى عن نبيه هذين الحالين، وغَوى:
الرجل يغوي إذا سلك سبيل الفساد والعوج، ونفى الله تعالى عن نبيه أن يكون ضل في هذه السبيل التي أسلكه الله إياها، وأثبت له تعالى في الضحى أنه قد كان قبل النبوءة ضالا بالإضافة إلى حاله من الرشد بعدها.
وقوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى يريد محمدا صلى الله عليه وسلم أنه ليس يستكلم عن هواه، أي بهواه وشهوته. وقال بعض العلماء: المعنى: وما ينطق القرآن المنزل عن هوى وشهوة، ونسب النطق إليه من حيث تفهم عنه الأمور كما قال: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ [الجاثية: ٢٩] وأسند الفعل إلى القرآن ولم يتقدم له ذكر لدلالة المعنى عليه.
وقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى يراد به القرآن بإجماع، والوحي: إلقاء المعنى في خفاء، وهذه عبارة تعم الملك والإلهام والإشارة وكل ما يحفظ من معاني الوحي.
والضمير في قوله: عَلَّمَهُ يحتمل أن يكون للقرآن، والأظهر أنه لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وأما المعلم فقال قتادة والربيع وابن عباس: هو جبريل عليه السلام، أي علم محمدا القرآن. وقال الحسن المعلم الشديد القوى هو الله تعالى. والْقُوى جمع قوة، وهذا في جبريل مكتمن، ويؤيده قوله تعالى:
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير: ٢٠] . وذُو مِرَّةٍ معناه: ذو قوة، قاله قتادة وابن زيد والربيع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» . وأصل المرة