من مرائر الحبل، وهي فتله وإحكام عمله، ومنه قول امرئ القيس:[الطويل] بكل ممر الفتل شد بيذبل وقال قوم ممن قال إن ذا المرة جبريل. معنى: ذُو مِرَّةٍ ذو هيئة حسنة وقال آخرون: بل معناه ذو جسم طويل حسن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف.
و (استوى) مستند إلى الله تعالى في قول الحسن الذي قال: إنه لمتصف: ب شَدِيدُ الْقُوى، وكذلك يجيء قوله: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى صفة الله تعالى على معنى وعظمته وقدرته وسلطانه تتلقى نحو «الأفق الأعلى» ، ويجيء المعنى نحو قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] ، ومن قال إن المتصف ب شَدِيدُ الْقُوى هو جبريل عليه السلام قال: إن (استوى) مستند إلى جبريل، واختلفوا بعد ذلك، فقال الربيع والزجاج: المعنى: فَاسْتَوى جبريل في الجو، وهو إذ ذاك، بِالْأُفُقِ الْأَعْلى إذ رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قد سد الأفق، له ستمائة جناح، وحينئذ دنا من محمد حتى كان قابَ قَوْسَيْنِ، وكذلك هو المراد في هذا القول النزلة الأخرى في صفته العظيمة له ستمائة جناح عند السدرة وقال الطبري والفراء المعنى: فَاسْتَوى جبريل.
وقوله: وَهُوَ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره في الضمير في عَلَّمَهُ. وفي هذا التأويل العطف على المضمر المرفوع دون أن يؤكد، وذلك عند النحاة مستقبح، وأنشد الفراء على قوله:
[الطويل]
ألم تر أن النبع يصلب عوده ... ولا يستوي والخروع المتقصف
وقد ينعكس هذا الترتيب فيكون «استوى» لمحمد وهو لجبريل عليه السلام، وأما الْأَعْلى فهو عندي لقمة الرأس وما جرى معه. وقال الحسن وقتادة: هو أفق مشرق الشمس وهذا التخصيص لا دليل عليه. واختلف الناس إلى من استند قوله. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فقال الجمهور: استند إلى جبريل عليه السلام، أي دنا إلى محمد في الأرض عند حراء. وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء ما يقتضي أنه يستند إلى الله تعالى، ثم اختلف المتأولون، فقال مجاهد: كان الدنو إلى جبريل. وقال بعضهم: كان إلى محمد.
و: دَنا فَتَدَلَّى على هذا القول معه حذف مضاف. أي دنا سلطانه ووحيه وقدره لا الانتقال، وهذه الأوصاف منتفية في حق الله تعالى. والصحيح عندي أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل، بدليل قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣] فإن ذلك يقضي بنزلة متقدمة، وما روي قط أن محمدا رأى ربه قبل ليلة الإسراء، أما أن الرؤية بالقلب لا تمنع بحال ودَنا أعم من:«تدلى» ، فبين تعالى بقوله:
فَتَدَلَّى هيئة الدنو كيف كانت، و: قابَ معناه: قدر. وقال قتادة وغيره: معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال الحسن ومجاهد: من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض.
وقرأ محمد بن السميفع اليماني:«فكان قيس قوسين» ، والمعنى قريب من قابَ، ومن هذه