بها، ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وذلك أنه كان يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا وكان ينفق في رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله، وكان الكفار بضد ذلك، وهذا قول من قال السورة كلها مكية، قال عبد الله بن أبي أوفى: نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق وأبي سفيان بن حرب، وقال مقاتل: مر أبو بكر على أبي سفيان وهو يعذب بلالا فاشتراه منه، وقال السدي: نزلت هذه الآية بسبب أبي الدحداح الأنصاري، وذلك أن نخلة لبعض المنافقين كانت مطلة على دار امرأة من المسلمين لها أيتام فكانت التمر تسقط عليهم فيأكلونه فمنعهم المنافق من ذلك، واشتد عليهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بعنيها بنخلة في الجنة» ، فقال: لا أفعل، فبلغ ذلك أبا الدحداح فذهب إليه واشترى منه النخلة بحائط له، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أنا أشتري النخلة في الجنة بهذه، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على الحائط الذي أعطى أبو الدحداح وقد تعلقت أقناؤه فيقول:«وكم قنو معلق لأبي الدحداح في الجنة» ، وفي البخاري أن هذا اللفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله في الأقناء التي كان أبو الدحداح يعلقها في المسجد صدقة، وهذا كله قول من يقول بعض السورة مدني. واختلف الناس في «الحسنى» ما هي في هذه السورة، فقال أبو عبد الرحمن السلمي وغيره: هي لا إله إلا الله، وقال ابن عباس وعكرمة وجماعة: هي الخلف الذي وعد الله تعالى به، وذلك نص في حديث الملكين إذ يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا. وقال مجاهد والحسن وجماعة:«الحسنى» :
الجنة. وقال كثير من المفسرين «الحسنى» : الأجر والثواب مجملا. وقوله تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، ومعناه: سيظهر تيسيرنا إياه يتدرج فيه من أعمال الخير وختم بتيسير قد كان في علم الله أولا، و «اليسرى» :
الحال الحسنة المرضية في الدنيا والآخرة، و «العسرى» : الحال السيئة في الدنيا والآخرة ولا بد ومن جعل بخل في المال خاصة جعل استغنى في المال أيضا لتعظم المذمة، ومن جعل البخل عاما في جميع ما ينبغي أن يبذل من قول وفعل قال استغنى عن الله ورحمته بزعمه، ثم وقف تعالى على موضع غناء ماله عنه وقت ترديه، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما ماله عنه وقت ترديه، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما في المال، واختلف الناس في معنى تَرَدَّى: فقال قتادة وأبو صالح معناه تَرَدَّى في جهنم، أي سقط من حافاتها، وقال مجاهد: تَرَدَّى معناه هلك من الردى، وقال قوم معناه تَرَدَّى بأكفانه من الرداء، ومنه قول مالك بن الربيب:[الطويل]
وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي ... وردّا على عينيّ فضل ردائيا
ومنه قول الآخر:[الطويل]
نصيبك مما تجمع الدهر كله ... رداءان تلوى فيهما وحنوط
ثم أخبر تعالى أن عليه هدى الناس جميعا، أي تعريفهم بالسبل كلها ومنحهم الإدراك، كما قال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [النحل: ٩] ثم كل أحد بعد يتكسب ما قدر له، وليست هذه الهداية بالإرشاد إلى الإيمان، ولو كان كذلك لم يوجد كافر. ثم أخبر تعالى أن «الآخرة والأولى» أي الدارين.