للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن لم ينته بأن يؤخذ بناصيته فيجر إلى جهنم ذليلا، تقول العرب: سفعت بيدي ناصية الفرس، والرجل إذا جذبتها مذللا له، قال عمرو بن معد يكرب: [الكامل]

قوم إذا سمعوا الصياح رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع

فالآية على نحو قوله: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ [الرحمن: ٤١] وقال بعض العلماء بالتفسير:

لَنَسْفَعاً معناه: لنحرقن من قولهم سفعته النار إذا أحرقته، واكتفى بذكر الناصية لدلالتها على الوجه، وجاء لَنَسْفَعاً في خط المصحف بألف بدل النون، وقرأ أبو عمرو في رواية هارون: «لنسفعن» مثقلة النون، وفي مصحف ابن مسعود: «لأسفعن بالناصية ناصية كاذبة فاجرة» ، وقرأ أبو حيوة: «ناصية كاذبة خاطئة» بالنصب في الثلاثة، وروي عن الكسائي أنه قرأ بالرفع فيها كلها، والناصية مقدم شعر الرأس، ثم أبدل النكرة من المعرفة في قوله: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ ووصفها بالكذب والخطإ من حيث صفة لصاحبها، كما تقول: يد سارقة، وقوله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ إشارة إلى قول أبي جهل، وما بالوادي أكثر ناديا مني، والنادي والندى المجلس ومنه دار الندوة ومنه قول زهير: [الكامل]

وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل

ومنه قول الأعرابية: سيد ناديه، وثمال عافية، والزَّبانِيَةَ ملائكة العذاب واحدهم زبنية، وقال الكسائي زبني، وقال عيسى بن عمر والأخفش: زابن وهم الذين يدفعون الناس في النار، والزبن الدفع، ومنه حرب زبون أي تدفع الناس عن نفسها، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترموم

ومنه قول عتبة بن أبي سفيان: وقد زبتنا الحرب وزبناها فنحن بنوها وهي أمنا، ومنه قول الشاعر:

[الوافر]

عدتني عن زيارتك الأعادي ... وحالت بيننا حرب زبون

وحذف الواو من سَنَدْعُ في خط المصحف اختصارا وتخفيفا، والمعنى: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ لعذاب هذا الذي يدعو ناديه، وقرأ ابن مسعود: «فليدع إلى ناديه» ، ثم قال تعالى لمحمد عليه السلام: كَلَّا ردا على قول هذا الكافر وأفعاله لا تُطِعْهُ أي لا تلتفت إلى نهية وكلامه، واسجد لربك واقترب إليه بسجودك وبالطاعة والأعمال الصالحة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد، فأكثروا من الدعاء في السجود فقمين أن يستجاب لكم» . وقال مجاهد: ثم قال ألم تسمعوا:

وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ، وروى ابن وهب عن جماعة من أهل العلم أن قوله تعالى: وَاسْجُدْ خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن اقْتَرِبْ خطاب لأبي جهل، أي إن كنت تجترئ حتى ترى كيف تهلك، وهذه السورة فيها سجدة عند جماعة من أهل العلم، منهم في مذهب مالك ابن وهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>