للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملكا من الملوك يعمرها ويجد في ذلك حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها وقرأ ابن كثير وعاصم ونافع: لَبِثْتَ في كل القرآن بإظهار الثاء وذلك لتباين الثاء من مخرج التاء، وذلك أن الطاء والتاء والدال من حيز، والظاء والذال والثاء المثلثة من حيز، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي، بالإدغام في كل القرآن، أجروهما مجرى المثلى من حيث اتفق الحرفان في أنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا وفي أنهما مهموستان، قال أبو علي: ويقوي ذلك وقوع هذين الحرفين في «روي قصيدة واحدة» .

قوله عز وجل:

فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ ...

وقف في هذه الألفاظ على بقاء طعامه وشرابه على حاله لم يتغير، وعلى بقاء حماره حيّا على مربطه. هذا على أحد التأويلين. وعلى التأويل الثاني، وقف على الحمار كيف يحيى وتجتمع عظامه.

وقرأ ابن مسعود: «وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه» ، وقرأ طلحة بن مصرف وغيره: «وانظر إلى طعامك وشرابك لمائة سنة» ، قال أبو علي: واختلفوا في إثبات الهاء في الفعل من قوله عز وجل: لَمْ يَتَسَنَّهْ واقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠] ، وما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الحاقة: ٢٨] وسُلْطانِيَهْ [الحاقة: ٢٩] وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ [القارعة: ١٠] وإسقاطها في الوصل، ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلها بإثبات الهاء في الوصل، وكان حمزة يحذفهن في الوصل، وكان الكسائي يحذفها في يَتَسَنَّهْ، واقْتَدِهْ، ويثبتها في الباقي. ولم يختلفوا في حِسابِيَهْ [الحاقة: ٢٠- ٢٦] وكِتابِيَهْ [الحاقة: ١٩- ٢٥] أنهما بالهاء في الوقف والوصل، ويَتَسَنَّهْ يحتمل أن يكون من تسنن الشيء إذا تغير وفسد، ومنه الحمأ المسنون في قول بعضهم. وقال الزجّاج: ليس منه وإنما المسنون المصبوب على سنة الأرض، فإذا كان من تسنن فهو لم يتسنن. قلبت النون ياء كما فعل في تظننت، حتى قلت لم أتظنن، فيجيء تسنن تسنى. ثم تحذف الياء للجزم فيجيء المضارع لم يتسن. ومن قرأها بالهاء على هذا القول فهي هاء السكت. وعلى هذا يحسن حذفها في الوصل. ويحتمل يَتَسَنَّهْ أن يكون من السنة وهو الجدب. والقحط، وما أشبهه، يسمونه بذلك. وقد اشتق منه فعل فقيل: استنّوا، وإذا كان هذا أو من السنة التي هي العام على قول من يجمعها سنوات فعلى هذا أيضا الهاء هاء السكت، والمعنى لم تغير طعامك القحوط والجدوب ونحوه، أو لم تغيره السنون والأعوام. وأما من قال في تصغير السنة سنيهة وفي الجمع سنهات، وقال أسنهت عند بني فلان وهي لغة الحجاز ومنها قول الشاعر:

وليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح

فإن القراءة على هذه اللغة هي بإثبات الهاء ولا بد، وهي لام الفعل، وفيها ظهر الجزم ب لَمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>