وعلى هذا هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو، وقد ذكر. وقرأ طلحة بن مصرف «لم يسنّه» على الإدغام.
وقال النقاش: لَمْ يَتَسَنَّهْ معناه: لم يتغير من قوله تعالى: ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد: ١٥] ، قال أبو محمد: ورد النحاة على هذا القول، لأنه لو كان من أسن الماء لجاء لم يتأسن، وأما قوله تعالى: وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ، فقال وهب بن منبه وغيره: المعنى وانظر إلى اتصال عظامه وإحيائه جزءا جزءا. ويروى أنه أحياه الله كذلك حتى صار عظاما ملتئمة، ثم كساه لحما حتى كمل حمارا، ثم جاء ملك فنفخ في أنفه الروح، فقام الحمار ينهق، وروي عن الضحاك ووهب بن منبه أيضا أنهما قالا: بل قيل له وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء مائة سنة، قالا: وإنما العظام التي نظر إليها عظام نفسه، قالا:
وأعمى الله العيون عن أرمياء وحماره طول هذه المدة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وكثر أهل القصص في صورة هذه النازلة تكثيرا اختصرته لعدم صحته، وقوله تعالى: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ معناه لهذا المقصد من أن تكون آية فعلنا بك هذا، وقال الأعمش موضع كونه آية هو أنه جاء شابا على حاله يوم مات، فوجد الحفدة والأبناء شيوخا، وقال عكرمة: جاء وهو ابن أربعين سنة كما كان يوم مات، ووجد بنيه قد نيفوا على مائة سنة، وقال غير الأعمش: بل موضع كونه آية أنه جاء وقد هلك كل من يعرف، فكان آية لمن كان حيا من قومه، إذ كانوا موقنين بحاله سماعا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي إماتته هذه المدة، ثم إحيائه أعظم آية، وأمره كله آية للناس غابر الدهر، لا يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض. وأما العظام التي أمر بالنظر إليها فقد ذكرنا من قال: هي عظام نفسه، ومن قال: هي عظام الحمار، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:«ننشرها» بضم النون الأولى وبالراء، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. «ننشزها» بالزاي، وروى أبان عن عاصم «ننشرها» بفتح النون الأولى وضم الشين وبالراء، وقرأها كذلك ابن عباس والحسن وأبو حيوة.
فمن قرأها «ننشرها» بضم النون الأولى وبالراء فمعناه نحييها. يقال أنشر الله الموتى فنشروا، قال الله تعالى:
ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [عبس: ٢٢] .
وقال الأعشى:[السريع] يا عجبا للميّت النّاشر وقراءة عاصم: «ننشرها» بفتح النون الأولى يحتمل أن تكون لغة في الإحياء، يقال: نشرت الميت وأنشرته فيجيء نشر الميت ونشرته، كما يقال حسرت الدابة وحسرتها، وغاض الماء وغضته، ورجع زيد ورجعته. ويحتمل أن يراد بها ضد الطيّ، كأن الموت طيّ للعظام والأعضاء، وكأن الإحياء وجمع بعضها إلى بعض نشر. وأما من قرأ:«ننشزها» بالزاي فمعناه: نرفعها، والنشز المرتفع من الأرض، ومنه قول الشاعر:
ترى الثّعلب الحوليّ فيها كأنّه ... إذا ما علا نشزا حصان مجلّل